وديع غزوان من الحق والمنطق أن نتخذ موقفاً مناصراً للثورات الشعبية الكبيرة التي شهدتها المنطقة العربية ضد أنظمة الاستبداد . فلاعتبارات عديدة كان المواطنون يتابعون بشغف وترقب ما يحدث في تلك البلدان خاصة وانه من نوع الثورات الجديدة ذات الطابع الخاص الخالي من تدخل العسكر لتغيير أنظمة الحكم .. نقول إن هذا الموقف الشعبي محق ومنطقي ،فمن أبسط الواجبات أن يستقبل شعبنا تلك الأحداث بشغف ويساندها ، غير أن ما نستغربه تلك المواقف غير المتوازنة
من قبل عدد من المسؤولين والسياسيين من هذه الحركات ،فبعضهم في الوقت الذي لايألو جهداً للتعبير عن مؤازرته الاحتجاجات الشعبية في الدول المجاورة ويطالب بتدخلات عربية و دولية لنصرتها ويتباكى على ما يجري من انتهاكات فيها ، نراه يقف موقفاً متناقضاً عما يجري من انتهاكات لأبسط حقوق العراقيين ويقف موقفاً مضاداً لاحتجاجاتهم السلمية, ويبدو أن البعض منهم اتخذها مادة " لحرب معلومات " من نوع جديد لتصفية حساباته مع طرف سياسي وآخر لم يكتف بالسكوت بل عمل ويعمل بكل ما أوتي من قوة على إفشالها بشتى الوسائل ومنها التوجيه بعدم التطرق إليها في خطب الجمعة . وإذا كان موقف السياسيين هذا بات مألوفاً لدينا لكثرة مواقفهم الغريبة ، فإنه وبعد كل النجاحات التي تحققت في مصر وتونس وليبيا تدعو إلى الأسى لأنها تعني ببساطة أن نخبنا تريد استعادة عصور الدكتاتورية التي أفل نجمها ، حتى يمكن أن نطلق بعد حين على عصرنا الراهن بعصر الشعوب المسحوقة حقاً . من السابق لأوانه إعطاء حكم على نتائج ما يحدث حتى في تونس التي انطلقت منها شرارة الغضب الشعبي ، لكنها في كل الأحوال لاتنبىء برجعة إلى الوراء وعودة حكم الحزب الواحد أو الحاكم بأمره . كنا نتمنى أن يكون العراق بوضع أفضل وهو يستقبل هذه الأحداث فيكون فاعلاً فيها كنموذج ، غير انه ومهما حاول بعض السياسيين من تزيين الصورة ، بقي بعيداً عن الصورة التي كان يفترض أن يكون عليها , بسبب حملات التشويه لعمليته السياسية الجديدة في المنطقة من قبل أطرافها وليس غيرهم . أطراف ظلت مواقفها لاتتجاوز حدود المساكن الفارهة الجديدة التي سكنوها وامتيازاتهم ونسوا المبادئ الديمقراطية وخدمة المواطن الذي ظل يتحمل إلى الآن تبعات ما حصل في العراق لم يكن آخرها اتهامات الدول الشقيقة والصديقة التي ألصقت بنا أنواع النعوت والصفات ،كالعمالة للامبريالية والصهيونية في وقت ترفع علم إسرائيل وسط عواصمها . لقد بقيت نخبنا السياسية تتصارع في ما بينها وبقينا ندفع الثمن ، لكن الأغرب مواقفها المتناقضة في كل شيء ، وكأن ليس هنالك من تتفق عليه غير حصد المكاسب والامتيازات والتستر على الفساد والسكوت على ظلم الغالبية العظمى من الشعب وانتهاك حقوقهم والنظر إلى ما يواجهونه من أزمات ببرود أعصاب وكأنه يحدث في كوكب آخر .
كردستانيات :مواقف متناقضة
نشر في: 5 سبتمبر, 2011: 09:02 م