اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > 20 سنة على اسطوانة "كيفك أنت": استعادة عراقية لجوهرة زياد الرحباني الموسيقي

20 سنة على اسطوانة "كيفك أنت": استعادة عراقية لجوهرة زياد الرحباني الموسيقي

نشر في: 6 سبتمبر, 2011: 05:59 م

علي عبد الأمير عجام في الوقت الذي كانت فيه مدن العراق، لم تزل بعد مثخنة الجراح من قنابل "الحلفاء" في قصفهم الرهيب مفاصل أساسية فيها أثناء "عاصفة الصحراء" التي أكلت قلب البلاد فيما بقي الحكم سالما، وزادها عذابا وترويعا قصف نظام صدام الانتقامي وحقول قتله التي أنتجت بلادا تطفو على مقابر جماعية، كان زياد الرحباني يترك في بيروت آخر لمساته على عمل سيشكل الخطوة التالية الثانية في مغادرة السيدة فيروز شرفتها الرومانسية بوصفها "جارة القمر"،
 لتبدو امرأة من عصرنا المأزوم بيومياته النابضة يأساً وأملاً، حباً وجزعاً. فبعد "معرفتي فيك" التي صاغها زياد الرحباني نصوصا وموسيقى، جاءت اسطوانة "كيفك انت"، لا لتؤكد المفارقة في تجربة فيروز وحسب، بل لتقدم صاحب موسيقى "ابو علي" بوصفه صانع ألحان "غير شكل" فعلا.في تلك الأوقات البغدادية الصعبة، كان هناك فتى بغدادي وسيم يعمل في محل لبيع الأشرطة الموسيقية في احد الأحياء الراقية (حينها) ببغداد، حي المنصور: هو مروان كامل، ابن الروائية المعروفة لطفية الدليمي، ولرهافته الروحية وسلاسة ذائقته كان عادة ما يحتفظ لي بالجميل النادر من جديد النغم الموسيقي، وحين دخلت إليه ذات يوم، لوح إلي سريعا بشريط مع ابتسامة عريضة وكأنه يخبرني عن كنز كنت ابحث عنه، وجده نيابة عني، وقبل أن أصل إليه قال: "تحفة من فيروز"، وهي كذلك فعلا، تحفة من طراز روحي خاص، وبالذات لمن تهدمت أرواحهم فضلا عن أجسادهم كما نحن في الحرب، فكانت اسطوانة "كيفك أنت" زادا لمن جفت ينابيع حياته أو كادت حين وقع بين مطرقة "عاصفة الصحراء" وسندان انتقاد صدام الوحشي.استمعت إلى الشريط الفيروزي مرة وأخرى، حتى بدأت ادخله روحيا، لجهة قوة تأثيره النغمي والتجديد اللافت في جو الأغنيات، أداء ونصاً. ومع أن ثلاثا من أغنيات الاسطوانة كانت قد قدمتها فيروز، على مسرح "بيرسي" في باريس حين أحيت حفلاً في 16 تشرين الأول 1988 وهي : "فيكن تنسو" وهي من كلمات جوزيف حرب، "كيفك إنت" و"أغنية الوداع" (أنا صار لازم ودعكم). إلا أنها حين سجلت ضمن اسطوانة تأخر صدورها، حتى عام 1991، بدت نسيجا واحدا مع باقي الأغنيات: "يا ليلي ليلي ليلي"، "ضيعانو(موسيقى)"، "في شي عم بصير"، "عندي ثقة فيك"، و"مش قصة هاي".ولفرط ما سحرني جو الأغنيات، وتحديدا في تقديم العاطفة الرقيقة بجو لا تخفى عناصره التجديدية نصا ولحنا، وما وجدته فيها من قدرة على إعطاء السيدة فيروز ملامح امرأة شابة من عصرنا، لجهة الارتفاع باليوميات الصغيرة للمرأة العاشقة إلى مرتبة الشعر وومضاته الروحية، رحت أنسخ منه العشرات وأوزعه على الأصدقاء من أصحاب الأرواح الرقيقة لكنها تألمت كثيرا بسبب ما عاشته، مثلما عاش الناس جميعا، من أهوال تهز صخر الاحتمال.نقل التفاصيل اليومية إلى مرتبة الغناء الجميل جسدته أغنية "كيفك إنتَ" وفيها مشهد امرأة عاشت قصة حب مع رجل ثم افترقا والتقيا لاحقا، لتنهمر الأسئلة عاتبة، شاكية، ولكنها ظلت حانية حتى في نبرتها الناقدة لتحولات البلاد والناس. ويغامر زياد الرحباني مع هذه الأغنية إلى مدى آخر حين جعل من توليفة لبروفات الأغنية أثناء تسجيلها، قطعة غنائية جديدة كليا تفيض بالحيوية والطرافة، هي تتصل بجوهر العمل الغنائي عند صاحب مسرحية "شي فاشل"، إذ هو موسيقى قبل كل شيء، وهو ما يتجسد بقوة في أغنية أخرى ضمتها الاسطوانة: " يا ليلي ليلي" فمع دقائق الأغنية الأربع يتملك السامع شعور بأنه استمع الى أغنية متكاملة، فيما بالحقيقة ان فيروز لم تردد مع الكورس غير " يا ليلي" وهي مغامرة ليست لزياد الرحباني وحسب، بل لصاحبة "ميس الريم" ذاتها، حين قبلت ان تغني مفردة واحدة على امتداد عمل كامل.تفاصيلَ الحياة اليومية للمرأة العاشقة المعاصرة، كما يصوغها صاحب مسرحية "فيلم اميركي طويل" بروحه المتهكمة، نصا يؤديه صوت فيروز، تتجسد في أغنية "مش قصّة هاي" التي تشير الى مشاعر امرأة متبرمة بالسكون والملل اللذين يصيبان حياتها، حتى في الحب، فتبدو حيال ذلك غير مكترثة إن واصلها حبيبها ام انقطع عنها: "بتِمرُق علايْ امرُق/ما بتمرُقْ ما تِمرُق/مش فارقة مَعايْ". وما زاد هذا الإحساس برتابة المشاعر ولاحقا السكون الذي أصابها، هو في اللحن الذي جاء هادئا بل بطيئا، متكرر الإيقاع، في محاكاة لتكرار عيش أوصل صاحبته حد الملل " "تسَودَن مساي يلله/ما تسَوْدَن خير من الله/مش فارقة مَعايْ ".الوجدان الصافي ونشيد العاطفة المستغرق في رقته،  تمثلا في أغنية " عندي ثقة فيك" التي جاءت وجها آخر لامرأة تكاد تذوب كليا في عاطفتها وقصة حبها إذ هي تخاطب حبيبها: " عندي ثقة فيك ...عندي أمل فيك/بيكفي شو بدك يعني أكتر بعد فيك/عندي حلم فيك... عندي ولع فيك/بيكفي شو بدك أنو يعني موت فيك”، وهنا تستدرك لتنتبه ماذا سيجنيه حبيبها إذا " ماتت فيه" بحسب اللازمة التي يستخدمها العشاق ”و الله رح موت فيك... صدق إذا فيك/بيكفي شو بدك مني إذا متت فيك". الأغنية الرقيقة هذه تبدأ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram