TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الخيار المأساوي بين: حكم الطغيان أو التحرّر بالاستعمار!

الخيار المأساوي بين: حكم الطغيان أو التحرّر بالاستعمار!

نشر في: 6 سبتمبر, 2011: 07:04 م

طلال سلمانليس أقسى من مأساة الخيار: بين التسليم باستمرار حكم الطغيان «الوطني» الذي يهدر كرامة الشعب وحقوقه في بلاده، وبين السكوت عن عودة الاحتلال الأجنبي، فكيف بدعوته إلى العودة في ثياب «المحرّر»؟ وكما فرض صدام حسين على شعب العراق المفاضلة البائسة بين طغيانه وبين الاحتلال العسكري الأميركي، مختاراً بذلك «خليفته» و«وريثه»، فقد فرض معمر القذافي على شعب ليبيا الخيار البائس بين حكمه الفردي الدكتاتوري الذي امتدّ دهراً، وبين عودة الاحتلال الأجنبي، أطلسياً هذه المرة، تشارك فيه معظم الدول الأوروبية ذات التاريخ الدموي الحافل في ليبيا خاصة، كما في مختلف الدول العربية والأفريقية عموماً، وكأن الإدارة الأميركية أرادت تعويضها عن منعها من المشاركة في الغنيمة العراقية.
...وكما أنهى صدام حسين عصر حكمه الاستبدادي مختبئاً في جحر، وقد حوّل أغنى شعب عربي أرضاً ومياهاً ونفطاً وعلماً وثقافة إلى ملايين من الأيتام والأرامل والمشرّدين الهائمين على وجوههم في مختلف الجهات، داخلاً وخارجاً، ها هو معمر القذافي يختفي في «جحر» هو الآخر، تاركاً بلاده وقد لحقها الدمار، وشعبه الذي حجر عليه لأربعة عقود ونيف مشرداً يحاول إحصاء ضحاياه في مختلف المدن والقصبات والنجوع والبوادي التي دكّتها صواريخه وصواريخ الاحتلال، بالتناوب، فتركتها أكواماً من الخراب، وتركت أهلها هائمين على وجوههم، في الداخل والخارج القريب، يرفعون رايات الماضي الملكي ويدورون بحثاً عن طريقهم إلى مستقبلهم في بلادهم.ثمة دول عربية أخرى لم يدمرها حكم الطغيان تماماً، لكنه أفقرها وأذلّ شعوبها، فهاجرت كفاءاتها وعقولها تطلب الأمان والرزق في أي أرض، وتتحمل ظلم ذوي القربى وتنتظر أن يسقط الطاغية، بالموت أو بالانتفاضة، لكي تعود فتستعيد بلادها وتسهم في بنائها من جديد.صار للوطن العربي، بمجمله، صورة محددة: حكم استبدادي لا يحول ولا يزول، لا يعي ولا يستوعب ولا ينتبه إلى ما يجري في العالم كله من تطور ومن كشوف علمية ووسائل اتصال جعلته «قرية كونية» لا يمكن عزل بعضها عن البعض الآخر، فضلاً عن اندثار الزعامات التاريخية والقيادات الخالدة والأحزاب ذات العقائد التي تنتمي لزمن آخر ولا تعني شيئاً للأجيال الجديدة، خصوصاً وان تجاربها قد خذلت أهلهم وخيّبت آمال من «ناضل في صفوفها» دهراً قبل أن ينتبه إلى أنها قد تهاوت فلم يتبقّ منها إلا الشعار المجفف والمجوّف بعدما أفرغته السلطة من أي مضمون.في الجانب الآخر من الصورة، تبدّى الحلف الأطلسي، بقيادته الأميركية وظلها الإسرائيلي، وكأنه «مجلس قيادة للثورة العربية المعاصرة»، مفوضاً إلى نفسه قيادة عملية التغيير!وبمعزل عن مسؤولية أهل النظام العربي، عموماً، عن هذا الانقلاب في المفاهيم والمعايير، فليس أفدح مهانة للأمة من أن تتجرع الخديعة، مرة أخرى، تاركة مصيرها للغرب يقرر لها ما يتناسب مع مصالحه، عبر استعادة فاضحة لما جرى «للثورة العربية الكبرى» التي انتهت بتوزيع المشرق العربي غنائم حرب بين بريطانيا وفرنسا، تمهيداً لزرع الكيان الصهيوني في القلب منه: فلسطين!إذ، بسرعة قياسية، وفي ظل أزمة اقتصادية تتعاظم تفاقماً، تلاقت الدول ذات التاريخ الاستعماري، قديمه والجديد، على نصرة الشعب العربي في ليبيا، وبتأييد بل بدعوة خرقاء من جامعة الدول العربية، ضد قائده الأبدي الذي كان خصمها فصالحته بالثمن، واستقبلته قصور الحكم فيها مع حارساته ونوقه وخيامه، ثم انقلبت عليه فجأة، بعد الاتفاق على تقاسم الثروة النفطية الهائلة التي تختزنها أرض ليبيا.وهكذا ارتدى الفرنسيون (الذين أصروا على دور الطليعة!) والبريطانيون والبلجيك والألمان واليونانيون والإسبان والطليان، وحتى الأتراك الذين وصلوا متأخرين، أثواب المحررين، وجلسوا تحت المظلة الأطلسية يتقاسمون خيرات ليبيا التي قد تخفف عنهم وطأة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تجتاح الغرب عموماً، والولايات المتحدة أولاً.هذه المرة لا يأتون كمستعمرين، بل كأهل نخوة هزتهم مأساة الليبيين، فتقدموا لنصرة حقهم في التحرر من طاغيتهم، واستعادة قرارهم الوطني الحر! وماذا يهم أن يكون الحلف الأطلسي هو من أطلق طيرانه الحربي وصواريخه لتدمر وتحرق الثكنات ومخازن السلاح والطرق وأطراف المدن وبعض أحيائها، مكملاً بذلك المهمة التي باشرتها كتائب أبناء القذافي... ودائماً مع تجنب إلحاق التدمير بآبار النفط أو بخطوط أنابيبه أو بمرافئ تصديره!سبحان مبدّل الأحوال: إذا كانت كل هذه القوى الدولية مناصرة للثورة العربية، بدءاً بتونس مروراً بمصر، وصولاً إلى اليمن، فمن كان إذن يؤيد ويدعم ويساند الأنظمة القائمة منذ دهر في مواجهة متصلة مع حقوق شعوبها وطموحاتها؟لقد تبدّى العالم المتحضر ديموقراطياً، ثورياً، مشفقاً على أمة العرب من قهر حكّامها... مَن إذن كان يحمي تلك الأنظمة، ومَن كان يتعامل مع الطغاة من قادتها متجاهلاً ما يصيب شعبها من عنت وإذلال واضطهاد؟!وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد كان معظم القادة الغربيين الذين تلاقوا تحت شعار نصرة الثورة في ليبيا، يتناوبون على زيارة القذافي، في المواعيد التي يحددها، وبالشروط التي يفرضها، وقد ينتظرون زمناً للدخول عليه، وقد يفرض عليهم تبديل المكان، ثم يخرجون من لدنه مستبشرين ويدلون بتصريحات الإشادة والتقدير للإنجازات التي حققها... فمتى أفاق هؤلاء القادة المتحمسون لانتصار الثورة على حقيقة الظلم الذي لحق بالشعب الليبي فهبّوا لرده عنه؟!حتى الحكم التركي المستنير، والمبشّر بالإسلام الجديد، ألم يكن يعرف طبيعة النظام الدكتاتوري للقذافي ومدى غربة الشعب ال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram