سليمة قاسمما أن صعدت إلى السيارة حتى استهل سائقها حديثه مع صديقٍ له بالموبايل، عن إجازته التي يدفع نصف راتبه الشهري ثمنا لها عن طيب خاطر للسيد الضابط، حتى يجد وقتاً للعمل في سيارته الخاصة، وهو أمر يفعله الكثيرون غيره، وأثناء مرورنا بقرب سيطرة، كان يذكر لنا أسماء الحرس وأماكن سكناهم واسم الفرقة التي ينتسبون إليها وضباطها وعن حالات تعرضهم للقتل أو الإصابة أو التهديد، وغيرها من المعلومات العسكرية البحتة.
ذكرني هذا الحادث بموقف آخر عندما جلس راكبان في سيارة الأجرة، لم يبد عليهما أنهما يعملان في سلك الشرطة، لكن حديثهما الطويل كشف الكثير عن طبيعة العمل الذي يمتهنونه،إذ تبين أنهما من حراس احد السجون الواقعة في أطراف بغداد، وقد أسهبا في الحديث عن حالات الهروب التي حدثت وعن عدد الحراس الذين نقلوا وأسباب نقلهم وتورط بعضهم في قضايا فساد، كل ذلك من دون أن يفكروا ولو للحظة أن تلك الأسرار يمكن استغلالها بسهولة للإيقاع بهم أو بالعاملين معهم في الدائرة نفسها.ظلت تلك الحالات تراود ذهني كثيراً، واعتقدت أنها حالات محدودة، لكنني أدركت خطأ اعتقادي ذاك، حين شاهدت احد النواب يتحدث عبر شاشة إحدى القنوات عن (الفضائيين) ويعرّفهم على أنهم عناصر من الجيش والشرطة يدفعون جزءا من رواتبهم ليتغيبوا عن الدوام ويقتصر حضورهم إلى دوائرهم أيام تسلم الراتب فقط.ويبدو أن الأمر معترف به في وزاراتنا الأمنية، فقد ساهم الفضائيون مساهمة فعالة في تردي الوضع الأمني بتغيبهم عن أماكن عملهم وفي خلق فراغ استغلته عناصر الجريمة أفضل استغلال. ولا يقتصر الأمر على تغيبهم بل يمتد إلى ضعف ولائهم للوطن وتفضيلهم الولاء الطائفي أو الحزبي، إضافة إلى ثرثرتهم الدائمة ،في أماكن عامة بأسرار العمل الذي يتطلب الكتمان. ولعل تكرار حوادث هروب السجناء في تكريت والبصرة وآخرها سجن الحلة اكبر دليل على ذلك بسبب تواطؤ عناصر من الجيش والشرطة مع القتلة والإرهابيين ومساعدتهم على الهرب لقاء مبالغ كبيرة، أو إمدادهم بالمعلومات المهمة التي تسهل عليهم القيام بعملياتهم الإرهابية. كما ارتكب البعض منهم جرائم قتل متخذا من وظيفته ستارا قانونيا يحميه من المساءلة، وهذا يقودنا إلى موضوع القيد الجنائي الذي أهمله المسؤولون عند قبول طلبات التعيين، وإلا فكيف يصبح شرطيا من كان محكوما بالسجن المؤبد في زمن النظام المباد لقتله أمه وأخواته الأربعة. إن الاعتراف بوجود هؤلاء( الفضائيين) في الوزارات الأمنية، ووجود خروقات أمنية خطيرة يضع أكثر من علامة استفهام حول أداء منستبيها ويتطلب مراجعة وتقييم طريقة اختيارهم، ووضع آلية جديدة لضمان اختيار العناصر الكفوءة والابتعاد عن المعايير الشخصية وعلاقات القرابة التي أدت بمجموعها إلى ضعف أداء تلك الوزارات.
علامات استفهام حول أداء منتسبي الأجهزة الأمنية!
نشر في: 6 سبتمبر, 2011: 07:05 م