عبد الخالق كيطان لا تنتوي هذه الكتابة توجيه نقد لشخص السيد مشعان الجبوري، مع أنه يفترض أن يكون شخصية عامة، وبالتالي فهو معرض للنقد لهذا السبب تحديداً، ولكنني أنأى بكلماتي عن نقده بشكل شخصي لأنني أعدّه عيّنة ممتازة لظاهرة شائعة اليوم في سوق السياسة (قل: النخاسة) العربية.
وسنأتي على هذه الظاهرة لاحقاً. تاريخ السيد مشعان الجبوري حافل بالتقلبات: كان إلى ما قبل خروجه من العراق في تسعينيات القرن الماضي محسوباً على السلطة، بل ويشاع أنه كان مقرباً منها. فرّ الرجل إلى سوريا ضمن موجة عراقية مروّعة، وهناك أسّس جريدة عرفت بقطيعتها مع الابتكار ومصالحتها المفضوحة للنظام السوري. بعد فترة، يخرج صهر الرئيس، حسين كامل، "ثائراً" على "عمّه"، ومعه ابنتا الرئيس، فواحدة زوجته والثانية زوجة أخيه صدام، الفارّ معه أيضاً. وعلى الفور ينتقل السيد الجبوري إلى العاصمة الأردنية ليكون قريباً من الشقيقين كامل. ولكن هذين المتعوسين يقرّران الرجوع إلى بغداد فتتمّ تصفيتهما، أما السيد الجبوري فيعود إلى مقرّ إقامته الشاميّ، وهناك يكتب عن قصته معهما. ولكن ألسنة العراقيين ذبّاحة، فها هو يتّهم بسرقة ملايين الدولارات كان حسين كامل قد أخرجها معه إلى الأردن في الموكب الرسمي ولم تعد معه إلى بغداد.وينتهي فصل صدام حسين، ويبدأ فصل جديد. في هذا الفصل يعود السيد مشعان الجبوري إلى العراق بوصفه أحد المناضلين ضد الديكتاتورية، ولا يجد "غنيمة" أنسب له سوى المحافظة التي ينتسب إليها ولادة وعشائرية، ولكن الأخبار تفيد أن أهالي تلك المحافظة أخرجوه منها بالقوة. وينتقل السيد الجبوري للعمل من السياسة إلى التجارة حيث يعهد إليه (كيف؟) بتوريد الأغذية للجيش العراقي (وقيل في حينها: الأميركي)، ولكنه ما لبث أن خرج من العراق بالتهمة إياها: السرقة. الجدير بالذكر أن صاحباً لي أثق به عظيم الثقة شاءت المصادفة أن يركب ذات يوم إلى جوار السيد الجبوري في الطائرة المتجهة من بغداد إلى عمان، يقول صاحبي: كان منظر عدد من الحقائب مربوطة بسلسلة من الحديد أكثر من مثير للأسئلة! وفي دمشق، مقرّه الدائم، يقود السيد مشعان الجبوري "مقاومة" شرسة ضد النظام الجديد في العراق بعد أن اكتشف وجود الأميركان والعملاء فيه!. وبالرغم من أنه لا ينتمي لتنظيمات البعث العراقي المقيمة في سوريا، ولا إلى التنظيمات الجهادية، ولكن مقاومته، اللفظية التحريضيّة، فاقت الطرفين. السيد مشعان الجبوري يتطابق موقفه اليوم مع موقف رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي في النظر إلى الأحداث في سوريا.ومع الربيع العربي، بدأ السيد مشعان حملة غير مسبوقة للدفاع عن اثنين من أبشع الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة: النظام الليبي والنظام السوري. بل كرّس فضائيته، التي تبثّ من دمشق، والمسماة "الرأي"، للدفاع تحديداً عن القذافي والأسد، وفي طريقها، التغني بأمجاد المقاومة العراقية!... ولم يكتف السيد مشعان بذلك، بل تعلن فضائيته يومياً أنهم افتتحوا فضائية جديدة باسم "المقاومة" وفضائية أخرى لم أعد أتذكر أسمها، وهذا ليس مهماً، المهم هو أن السيد مشعان، وفضائياته، أصبح ناطقاً رسمياً باسم العقيد المخلوع، ومن المحتمل أن يتحول إلى ناطق باسم الرئيس المخلوع قريباً شريطة أن يبحث له على مكان آمن آخر يبث منه رسائل قادة الحفر والأدغال، والمقاومين الذين يجيدون تفجير الجثث عن بعد. وذلك كله ليس مهماً، أبداً. المهم هو ما ابتدأت به المقال، في أن يتحول السيد مشعان الجبوري إلى قائد رأي، لنتذكر أنه اسم قناته، وهو أمر يذكر بآخرين في مصر تحديداً، وفي بلدان عربية أخرى. هؤلاء يعلو زعيقهم كلما قبضوا أكثر، ولقد قبضوا من النظام الصدامي أموالاً طائلة (كشفت هذه الجريدة بعضاً منها في فضيحة كوبونات النفط المشهورة)، وكما يعرف المشتغلون في الحقل الإعلامي والثقافي أن العقيد المخلوع لا يقل شأنا عن صدامنا في أمور الدفع للإعلاميين وأشباههم. وذلك كله ليس مهماً، أبداً. المهم، بل والمثير للأسى، هو في أن يقود هذه الأمة زعيم مثل القذافي، وقائد رأي مثل السيد الجبوري... أن يقودها زعيم مثل الأسد وقائد رأي مثل السيد مصطفى بكري... أن يقودها زعيم مثل علي عبد الله صالح وقائد رأي مثل السيد محمد المسفر... أن يقودها زعيم مثل صدام حسين وقائد رأي مثل السيد عبد الباري عطوان...
عين:السيد مشعان: قائد رأي
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 6 سبتمبر, 2011: 08:58 م