علاء المفرجي 2-2 أغلب موسيقى الأفلام لم تتطور إلى أبعد من أيام السينما الصامتة ، فهي اُستخدمت كمؤثرات أو لحشو خلفية الشريط ، غير أن بودوفكين وآيزنشتين كانا يصرّان على أن الموسيقى لا يجب أن تؤدي دور المرافق مطلقا. كانا يريان أن على الموسيقى أن تحتفظ بخطها الخاص وتفرّدها . وكانت الموسيقى الفيلمية إحدى هموم آيزنشتين النظرية .
بيّن في فيلمه " ألكسندر نفسكي " كيف ولماذا تكون سلسلة معيّنة من لقطات في نظام معيّن ، وذات طول معيّن متعلقة بطريقة نوعية أكثر من أي طريقة أخرى في قطعة معيّنة من الموسيقى ، فقد تعاون مع المؤلف بروكوفييف على وضع نوع من التأليف السمعي- البصري ، حيث يقابل كل سطر موسيقي حركة الصور ، التي تمّ وضعها في صف ( تقطيع عمودي ) ، أي توحيد كلا الشريطين ( الموسيقي والصوري ) رأسيا (( بتوفيق كل عبارة موسيقية متصلة مع كل عبارة متصلة متوازية من الشريط الصوري . ))تؤدي الموسيقى وظيفتها في الأشرطة السينمائية بطرق مختلفة ، حيث يكون استخدامها متنوّعاً بشكل مدهش، فهي ابتداء بالعناوين يمكن أن تهيئ المشاهد للجو العام للفيلم . ويلح بعض صانعي الأفلام على الموسيقى الوصفية البحتة ، فيستخدمونها كنوع من المعادل الحرفي للصورة . مخرجون آخرون يقررون بأن الموسيقى يجب ألا تكون (( جيدة جدا )) لئلا تحرف الانتباه عن الصورة . ومن هنا جاءت الملاحظة الشائعة بأن أفضل موسيقى تصويرية هي تلك التي لا يسمعها أحد ، غير أن أغلب المخرجين الكبار لايتفق مع وجهات النظر هذه ، فالموسيقى بالنسبة لهم ، حتى وإن كانت لأعظم الملحنين ، يمكن إستخدامها في الشريط الفلمي . علاوة على ذلك ، يمكن للموسيقى أن يكون لها دورا دراميا مكملا في سيناريو الفلم ، على سبيل المثال ، يمكنها أن تقوم بوظيفة التباين الساخر ، حيث يُعكَس إتجاه المشهد بإستخدام موسيقى مضادة ، كما في فلم " الدكتاتور العظيم " لشابلن ، الذي وضع موسيقاه بنفسه ، ففي المشهد الشهير الذي يلعب فيه الدكتاتور بنموذج للكرة الأرضية ــ وهنا الإيحاء واضح ــ تقوم النغمات الموسيقية الحالمة بمقابلة ساخرة مع أداء شابلن . يمكن للموسيقى أيضا أن تعزز تأثير المشهد وتزيد من شحنته العاطفية ، كما في فلم " الأرض " ليوسف شاهين ، حيث يتكرر لحن أغنية " الأرض لو عطشانة " ، الذي وضعه علي إسماعيل ، طوال الفيلم ويتصاعد تأثيره المثير للمشاعر في المشهد الأخير منه .من وظائف الموسيقى الفيلمية الأخرى ، تحديد معالم الشخصية ، الذي يمكن أن يتم الإيحاء به من خلال الألحان الموسيقية المكررة . وكما يبيّن جان بيير شيفر حول مسألة استخدام اللازمة الموسيقية قائلا ، (( إذا ما حدث لدى الاستماع الأول للمصاحبة الموسيقية أن كثفت هذه المصاحبة الإيحاء بالمناخ اللحني ، فإن تكرار اللازمة سيتيح ، خلال مجرى أحداث الفيلم ، نوعاً من الدلالة الحقيقية للموسيقى ، بمعنى ، أن محتوى الموسيقى سيكون في آن معا ذهنيا وعاطفيا ، وقد يكون في اللحظة نفسها ثمة تفاوت بين ما تظهره الصورة وما تؤكده الموسيقى ، وانه لتناقض، تصبح الموسيقى بفضله واحدة من الشخصيات اللامتوقعة ، غير القابلة للإمساك . )) ولنا أمثلة عن هذا النوع المليء بالذكاء والفاعلية من أنواع استخدام الموسيقى ( في أفلام مثل " قصة حب " ، " فطور في تيفاني " ، " صائد الغزلان " ) ، حيث تتدخل الموسيقى في بنيان الفيلم ، فيصبح لها دور درامي فاعل . ففي " قصة حب " ، تتجلى فاعلية الموسيقى هذه في المشهد الذي يخرج فيه اوليفر من المستشفى بعد وفاة جيني ، يسير في الشارع ذاهلاً ، فتبدأ اللازمة الموسيقية لفرانسيس لي ، التي كانت تهيمن على أغلب مشاهد الفيلم ، لكنها هذه المرّة ما أن تبدأ حتى تُقمع ــ أو تغصّ حزناً ــ بأصوات ضجيج الشارع وأبواق السيارات ، وتتكرر على هذا المنوال ؛ موسيقى مبتسرة ، تُقطع في كل مرّة ، لتعبّر عن قصة حب عمرها قصير . هنا تصبح الموسيقى (( شخصية لا متوقعة )) ، في مشهد مثير للمشاعر .مثال آخر عن لازمة موسيقية تصاحب الشخصية ، في " حدث ذات مرّة في الغرب " ، حيث ترافق موسيقي الهارمونيكا شخصية البطل ، تشارلز برونسن ، أو تنبئ عن الشخصية قبل حضورها في المشهد ، كما يحدث مع جاسون روباردز ، الذي يمثل دور الشرير، فنحن نعلم بوجوده قبل أن نراه في الكادر ، من خلال لازمة من لحن ساخر بآلات نحاسية، يبدو ناشزاً.ويُعدّ هذا العمل قمة أعمال المؤلف الموسيقي الكبير اينيو موريكوني ، مع موسيقى فيلم " المهمة التبشيرية " . فاللازمة الشهيرة في هذا الفيلم التي يؤديها جيرمي آيرونز أمام السكان الأصليين بأنغامها الرخيّة التي تدعو إلى الحب ، ستتكرر في الفيلم لتتحول في المشهد الختامي مرثاة لقمع الحب وسيادة الكراهية .لعبت موسيقى الأفلام دائما دورا أساسيا في تشكيل وعي المشاهد ، ويمكن أن يُنسَب إليها ذلك السحر الناشئ عن الصورة السينمائية ، ولعل انجذاب المشاهد لبعض الأفلام يعود إلى موسيقى هذه الأفلام . على سبيل المثال ، فيلم " رجل وامرأة " لكلود ليلوش ، الذي كتب موسيقاه فرانسيس لي ، و"المحترف" لجان بول بولم
كلاكيت :عندما نسمع الصورة
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 7 سبتمبر, 2011: 05:16 م