هاشم العقابيهادي الذي لم يكن هادئا في يوم، قتلوه. لم أفاجأ بقتله. فياما وياما حذرته بأنهم لم ولن يتركوه. لكن الذي فاجأني هو ان القتلة استعجلوا خلع ثياب عفتهم المزورة هذه المرة. وكشفوا عن انهم، من اكبرهم الى اصغرهم، قد غسلوا وجوههم ببولهم.
كل من عاشر هادي أو التقاه قطعا تجد له معه حكاية. فهو من النوع الذي لا بد من ان يترك اثرا عند من يلتقيه. ففينا من يقول انه "خبصة" وآخر يصفه بانه "هوسة". لكن نكاد ان نتفق بانه يحمل قلب طفل طيب بداخله. آخر حكاية لي مع هادي كانت يوم التقيته بالقاهرة قبل اشهر. كان قدومه مظاهرة صاخبة. فنان مرهف مجنون مغرم بالحرية. وان كان من الصعب ان تعرف احلام الآخرين أحيانا، لكن هادي مكشوفة احلامه لمن يعرفه. الحرية هي حلمه وهذيانه. لا يريدها لنفسه، اذ كانت بين يديه ينعم بها في ايام لجوئه بالدنمارك. كان يريدها لشعبه وناسه وبلده. كنا، نحن الذين احتفينا به، نسأله عن ادق تفاصيل ما حدث بساحة التحرير وكأنه سفيرها، وعما حدث له يوم اعتدت عليه قوات امننا "الباسلة" وسجنته وعذبته. لم يكن منكسرا ولا نادما ولا خائفا، بل كان فخورا صلبا. التقيناه ليلة جمعة. كان يتحرق شوقا لمشاركة المصريين تظاهراتهم عند الصباح. سأله احدنا: وهل من ضرورة لحضورك وانت عراقي؟ أجاب: انني من أجل هذا اتيت. وبضحكته المعروفة قال: سأخطب بالمصريين غداً باسم متظاهري ساحة التحرير ببغداد. ورغم ان السهرة استمرت حتى بزوغ الفجر، ولم ينم الا ساعتين، فقد نهض من فراشه نشطا لينضم للمتظاهرين المصريين بميدان التحرير. وهناك حقق رغبته وحلمه وخطب خطبته فيهم. لم أر عراقيا فرحا مثلما رأيت هادي بعد عودته من الميدان. وبعد ان شرح لي ردود افعال المصريين وتفاعلهم معه، سألني ما بين المزاح والجد: شوكت تكتب عني عمود؟ اجبته تستاهل اكثر من عمود، لكني فقط أنتظر الوقت المناسب. لم يصبر كثيرا على البقاء بالقاهرة. فهو لا يطيق فراق بغداد.حين ودعته على الهاتف يوم عودته للعراق، اذ لا مجال لديه كي يودعني وجها لوجه بفعل "خبصته" الدائمة، اوصيته ان يدير باله على نفسه منهم فأنا اعرفهم وأعرف كيف يفكرون. رد علي: "وانا ايضا اعرفهم جيدا. لا تقلق،فالأعمار بيد الله". ثم ذكرني ألا انسى العمود الذي وعدته به.اي شعور بالذنب جاثم على صدري اليوم يا هادي، لأني طولت عليك بالوفاء بوعدي. ما اتعسني يا ابا هيوا ألا ألبي رغبتك الا بعد موتك. فها هو العمود الذي لم اجد نفسي محتارا بكتابة عمود مثله من قبل. ما الذي اقول عنك فيه وقد جدت بنفسك وتوضأت بدمك من اجل ان تؤدي صلاة الحرية من أجل العراق؟ أردت ان أرثيك بقصيدة كي اخفف من وطأة الشعور بالتقصير نحوك لكنها لم تكتمل. لقد بدأت بها وسأنشرها حين انتهي منها. لكن هاك بعضاً من مقاطعها. فهل تسمعني؟حسرة بقلبي ظلت لون ساعة تردبس سويعة وحده وحتى احاجيكانشدك ياهو هذا؟ شلون شكله الجاك؟وحده؟ لو اجوا وياه كومه انذاللكوك الوحّدك واستفردوا بيك ولك والله، ادريبك مسودن زين ادريكولو جانت ملاوه جفوف .. هيله اليمد جفه ويكدر يلاويكبس ولية مخانيث وطبع غمانشترجه من المخنث يوم يوليك؟
سلاما يا عراق: يا هادي المهدي .. هل تسمعني؟
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 9 سبتمبر, 2011: 07:46 م