علي محمود خضير (1) أتذكَّرُ الآنَ بلحظةٍ شاردةٍ هبطتْ عليَّ فجأة، أتذكَّرُ وجهَها المتبتلَّ ورائحةَ عناقِنا الأخير، صبرَها على تأخُّري الدائمِ في إيفاءِ العهود، تلكَ التي تصّبُّ الحياةَ مركزةً في فمي، بعدَ أن تصفّيها شيئاً فشيئاً عبرَ قلبِها المرتعشِ بحيرته. راسمةً -مهما حدث- ابتسامةَ قدّيس.
(2)أتذكَّرُ أَني سألتُها مرّة، إن كنّا سنصل! كان السؤالُ يتيهُ مرتبكاً بين لفحاتِ هواءٍ رطب يبللُّ أرضَ الغرفةِ والجدرانَ السميكة، كان السؤالُ ثقيلاً بالمرّة، وكانت تتجاهلهُ بما لها من عينَيْ طفلٍ ورائحةِ ملاك، مشغولةً بستائرِ النافذةِ وترتيبِ قطعِ الأثاثِ القديم. كانتِ الأشياءُ حولَنا تتماوجُ بين حضورٍ وغياب. رزمةُ الكتب، أشرطةُ الدواء، كوبُ القهوةِ البائتُ وبضعةُ أوراقٍ نقديةٍ تالفة. وحدَها كانتْ تمنحُ الأشياءَ لونَها ومعناها العتيق. وتُبدِّدُ عبثَ الوقتِ وبلاهتِه.رغمَ ذلك، لم نَحظَ بإجابة قط.(3) وكورقةٍ خضراءَ في حديقةٍ، قريبةٍ، وبعيدةٍ كسحابة. صرتُ مجذافاً كلّما صارتْ زورقاً، وشارعاً كلما ازدحمتْ بالآخرين.وليس كأيّة امرأة، كانت تجيد القول:- الأمنيةُ.. عذابُ الروح.- الألَمُ أخرسُ ولا يحُسِنُ النطق.كنتُ أُدوِّنُ ما تهمسُ... ، تدوينَ ملاكٍ يُصارعُ جَحيمَهُ الخاصّ، مثقلاً بذنوبِ غفلتِهِ، كنتُ أرقبُها تنوءُ بجرحها القديم، مخُفيةً -ما استطاعت- حبّاتٍ من دمعها الأسود، ينزلُ سريعاً، فتخذلُها المناديل.لم أخبرها أنها المرّة الأخيرة التي ستراني فيها، ما تجرأتُ أن أطعنَها برحيلي إلا وأنا محتدمٌ فيه.(4)تركتُ عند بريدها الإلكتروني رسالةً أخيرة:"لكِ أن تعيشي كما ترغبينْ...ولي أن أحلمْ"كانت رسالةً ضائعة، مثل التي أكتبها الآن.
رسالة ستضلُّ عنوانَها أيضاً..
نشر في: 10 سبتمبر, 2011: 06:26 م