TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عين:صديقي هادي

عين:صديقي هادي

نشر في: 11 سبتمبر, 2011: 10:42 م

 عبد الخالق كيطان لم يكن يخطر على بالي أن ذهابي إلى الكرادة عصر الخميس الماضي سيكون آخر عهدي بمنزل صديقي هادي المهدي. فجأة أتلقى اتصالاً من صديق مشترك يسكن غير بعيد عنه، وهو يخبرني أن صاحب المنزل قد دخل منزل المهدي لكي يطمئن عليه فوجده مضرجاً بدمائه. كان الوقت عصراً، حسبت الأمر مزحة أول الأمر، ولأنني رفعت صوتي تنديداً أو استغراباً بهذه المزحة فقد انتبه جميع من في المقهى إلى صوتي. أكثر من عشرة أصدقاء مشتركين كانوا في المكان. ولكن المتصل يؤكد لي الخبر بصوت مذبوح.
أغلقت الخط وقررت، ومعي الأصدقاء: قيس حسن، عمار السواد، كاظم مرشد السلوم، خالد زهراو، سيف الخياط، قيس العجرش... الذهاب إلى منزل هادي القريب. سبق خطواتي المخرج عدي رشيد، وجدته بعد حين عند باب المنزل ينحب. تأكدت من النبأ أخيراً، دموع عدي لا تكذب. مرت سيارة شرطة فسبقت خطونا إلى باب المهدي. وبين مقهى رخيتة، حيث كنت، ومنزل المهدي حيث وصلت، تلقيت عدداً من الاتصالات من أصدقاء مشتركين، ومن حولي كان عدد الأصدقاء في ازدياد. لم استطع الدخول إلى المنزل. كانت الجثة في المطبخ. وعدد الواقفين خارج المنزل أغلبهم من أصدقاء الفقيد الذين سمعوا الخبر في المقهى. دخل عدد منهم المنزل. أكدوا لي انه مصاب برصاص في أسفل مؤخرة رأسه. لم يبق لدي أي شك في أن الموضوع هذه المرة ليس مزحة. أبداً. بكيت.وهادي المهدي قصة غريبة في هذي البلاد. كان مليئاً بالتناقضات، ولكنه لم يكن غير واحد يشبهنا تماماً. كثيرون ينتقدون صوته العالي، وجرأته التي تصل حد التهور في التعاطي مع أحداث الساعة. دخل في شجارات ومناكدات مع عدد من الأصدقاء المشتركين في الوسط الفني تحديداً، وبالرغم من لغته القاسية مع هؤلاء إلا أن تلك الخلافات كثيراً ما كانت تنتهي بالمحبة ذاتها التي كانت عليها قبل ذاك. أدخلني المهدي، بعد عودتي من "المنفى"، إلى مؤسستين إعلاميتين معروفتين فعملنا معاً لفترة، وبعدها عملت في مكان وعمل هو في مكان آخر، فافترقنا لشهور، وسرعان ما عدنا إلى رفقتنا مع قبولنا طالبين في الدراسات العليا بأكاديمية الفنون الجميلة. لم ينقطع عن التواصل مع سيرته المختلفة، وأقول مختلفة لأن المهدي لم يشبه أحداً ولم يشبهه أحد.  وفي حياة الواحد منا يصادف قليلين مثل المهدي، بمعنى أنه من نوع الأصدقاء الذي يترك بصمة لدى الآخر. كان مهووساً بميلان كونديرا، ولما أحدثه عن أناييس نن أو ايزابيل الليندي يراجعهما مثل طفل. لقد حضرت أخيراً مفردة: "طفل"، إذ كنت لا أجد دفاعاً عن هادي عندما كان يطلب مني ذلك أبلغ من أن أقول لمعاتبي: هادي طفل. وهو طفل تعلمت منه سرعة الغفران والعفو. باستطاعته أن يتشاجر معك لأبسط سبب ولكنه سيبادر من فوره للاعتذار منك أو مصالحتك. أحبّ هادي ولديه المقيمين خارج العراق بقوة، وكان يتحدث عنهما بعشق، وأحبّ المسرح بطريقة لا تجد لها مثيلاً بين أقرانه: إنه مفكّر بالمسرح (وأتحمل دقّة هذا التعبير)، كان قارئاً لا ينافسه في ذلك سوى قلة من ابناء جيله، ومن أبرز اهتماماته الحداثة وما بعد الحداثة، وكان عنوان رسالته التي يعدها للمسرح هو: العولمة والمسرح، الموضوع الذي يؤكد اساتذته أنه غير مطروح في البحث سابقاً. قدم للمسرح عدداً من الأعمال المختلفة في الشكل، كانت لديه مشاريع تلفزيونية كثيرة. العراق بالنسبة له أكبر من حلم. يدفع العشاق في الكثير من الأحيان أعمارهم ثمناً للحلم. البقاء في حياتكم... وإلى لقاء صديقي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram