سلام خياط حين اجتاز مرحلة الدراسة المتوسطة ، كان قد قرأ معظم ما على رفوف المنزل من كتب .عربية ومترجمة ، استهوته الكتب العلمية الفلسفية على وجه الخصوص . وحين وجدته يشتط في قراءة وإعادة قراءة( هكذا تكلم زرادشت ) لفردريك نيتشة ،، ويسحره كتاب ( اللامنتمي ) لكولن ويلسن ، دق قلبي دقة ناشزة ، خفت عليه من وعي مبكر قبل الأوان ، قد يكون وبالا على صاحبه ونقمة . خبأت الكتابين وكتبا أخرى في قعر دولاب الملابس ، وادعيت زورا إن زميلا قد استعار مجموعة الكتب لحاجته إليها .
حين أوشك على إتمام الدراسة الثانوية ، كان قد تشكل وعيه ليقرر نوع الدراسة التي تستهويه ، عن تمام قناعة وحرية اختيار . بدأ يكتب بطلاقة بهرت أهل البيت ، دونما غلط في النحو أو الإملاْء – إلا ما ندر.جمله متينة متماسكة البنيان وأسلوبه متميز سهل وممتنع ، وكثيرا ما كان ينبهني عن سهو في جملة أو شطط في موضوع .. سكن روعي –.وخاب فألي ، إذ ظل تلميذا مخلصا لأغلب قراءاته دون جنوح أو تعصب ، مستحلبا رحيقها السائغ فكرا وعملا والتزاما . البارحة ، أرقتني رسالة من قريبي الحميم عبر الإنترنيت ، يبشرني إنه قدم للانتساب لكلية الآداب . راعني منها ركاكة الأسلوب ، وعدمية الانتباه، وكثرة الأخطاء النحوية والإملائية ، وغمس الفصحى بصحن العامية .و... و.. اتصلت بالأم أعاتبها ، قالت: كمن ينتحب . ماذا أعمل؟ البيت ما زال مكتظا بالكتب ، ولكن لا أحد يقرأ ، يمضي الأولاد أوقاتهم بصحبة الخائبين( الذين هم الغالبية ) أو يلاحقون المسلسلات التلفزيونية الهايفة ، أو يعاشرون شاشة الكومبيوتر ، ليس لاستجلاء معرفة أو سبر أغوار فكر ، أو ابتكار في التكنولوجيا، بل لتبادل ألأحاديث التافهة عبر ما يسمونه ( التشات ) ، من نوع صورتك تخبل ، أوتسريحة شعرك تجنن ، أو يلوكون الشكوى من الرتابة والملل ، لا أفق واضحا أمامهم ، لا رموز مثالية للإقتداء ، لا فسحة في صدورهم لأمل. النموذج الذي استهللت به الموضوع مثال بسيط شديد التواضع لجيل عراقي مبدع – جيل الخمسينات والستينات والسبعينات ، أجيال مزجت القلق المثمر بالتحدي المنتج ، جيل بزغت منه شموس ونجوم ، شعراء وأدباء وفنانون، أطباء وعلماء وأكاديميون ,و.. و.. كانوا سيشكلون بؤرة إشعاع لعموم المنطقة لولا أن تقاذفتهم المنافي ، أو آثروا الصمت أو تقمصوا الأدوار خشية أو تقية أو إذعانا . تلك الجمهرة من النخبة – وهم كثرة كاثرة-ملؤوا الفراغات العلمية والأكاديمية في جامعات الغرب ، تشهد لنبوغهم جامعات الأردن والجزائر وليبيا والسودان .. ويندر – وأقولها عن استطلاع وفخر ومباهاة – أن تجد جامعة أوروبية عريقة تخلو من عراقي ، أو من أصل عراقي .ما العمل لانتشال الجيل التائه الحالي من الغرق في المستنقع؟؟ ؟؟ صرخة ملتاعة رددها قبلي مصلحون وفلاسفة ورواد فكر ، المصيبة أعمق من مجرد سؤال عابر تبدده عاصفات الريح . فلتبادر النخب المستنيرة بتفعيل السؤال ،، ووضع الأجوبة المتاحة على لائحة أولويات التنفيذ بعد تحوير السؤال : متى العمل؟.
السطور الأخيرة :حاذر، أمامك هاوية !
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 11 سبتمبر, 2011: 10:59 م