TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > السطور الأخيرة :حاذر، أمامك هاوية !

السطور الأخيرة :حاذر، أمامك هاوية !

نشر في: 11 سبتمبر, 2011: 10:59 م

  سلام خياط حين اجتاز مرحلة الدراسة المتوسطة ، كان قد قرأ معظم ما على رفوف المنزل من كتب .عربية ومترجمة ، استهوته الكتب العلمية الفلسفية على وجه الخصوص . وحين وجدته يشتط في قراءة وإعادة  قراءة( هكذا تكلم زرادشت ) لفردريك نيتشة ،، ويسحره كتاب ( اللامنتمي ) لكولن ويلسن ، دق قلبي دقة ناشزة ، خفت عليه من وعي مبكر قبل الأوان ، قد يكون وبالا على صاحبه ونقمة . خبأت الكتابين وكتبا أخرى في قعر دولاب الملابس ، وادعيت زورا إن زميلا قد استعار مجموعة الكتب لحاجته إليها .
حين أوشك على إتمام الدراسة الثانوية ، كان قد تشكل وعيه ليقرر نوع الدراسة التي تستهويه ، عن تمام قناعة وحرية اختيار . بدأ يكتب بطلاقة بهرت أهل البيت ، دونما غلط في النحو أو الإملاْء – إلا ما ندر.جمله متينة متماسكة البنيان وأسلوبه متميز سهل وممتنع ، وكثيرا ما كان ينبهني  عن سهو في جملة أو شطط في موضوع .. سكن روعي –.وخاب فألي ، إذ ظل تلميذا مخلصا لأغلب قراءاته دون جنوح أو تعصب ، مستحلبا رحيقها السائغ فكرا وعملا والتزاما .  البارحة ، أرقتني رسالة من قريبي الحميم عبر الإنترنيت ، يبشرني إنه  قدم للانتساب لكلية الآداب . راعني منها ركاكة الأسلوب ، وعدمية الانتباه، وكثرة الأخطاء النحوية والإملائية ، وغمس الفصحى بصحن العامية .و... و.. اتصلت بالأم أعاتبها ، قالت: كمن ينتحب . ماذا أعمل؟ البيت ما زال مكتظا بالكتب ، ولكن لا أحد يقرأ ، يمضي الأولاد أوقاتهم بصحبة الخائبين( الذين هم الغالبية ) أو يلاحقون المسلسلات التلفزيونية الهايفة ، أو يعاشرون شاشة الكومبيوتر ، ليس لاستجلاء معرفة أو سبر أغوار فكر ، أو ابتكار في التكنولوجيا، بل لتبادل ألأحاديث التافهة عبر ما يسمونه ( التشات ) ، من نوع صورتك تخبل ، أوتسريحة شعرك تجنن ، أو يلوكون الشكوى من الرتابة والملل ، لا أفق واضحا أمامهم ، لا رموز مثالية للإقتداء ، لا فسحة في صدورهم لأمل. النموذج الذي استهللت به الموضوع مثال بسيط شديد التواضع لجيل عراقي مبدع – جيل الخمسينات والستينات والسبعينات ، أجيال مزجت القلق المثمر بالتحدي المنتج ، جيل بزغت منه شموس ونجوم ، شعراء وأدباء وفنانون، أطباء وعلماء  وأكاديميون ,و.. و.. كانوا سيشكلون  بؤرة إشعاع لعموم المنطقة لولا أن تقاذفتهم المنافي ، أو آثروا الصمت أو تقمصوا الأدوار خشية أو تقية أو إذعانا . تلك الجمهرة من النخبة – وهم كثرة كاثرة-ملؤوا الفراغات العلمية والأكاديمية في جامعات الغرب ، تشهد لنبوغهم  جامعات الأردن والجزائر وليبيا والسودان .. ويندر – وأقولها عن استطلاع وفخر ومباهاة – أن تجد جامعة أوروبية عريقة تخلو من عراقي ، أو من أصل عراقي .ما العمل لانتشال الجيل التائه الحالي  من الغرق في المستنقع؟؟ ؟؟ صرخة ملتاعة رددها قبلي مصلحون وفلاسفة ورواد فكر ، المصيبة أعمق من مجرد سؤال عابر تبدده عاصفات الريح . فلتبادر النخب المستنيرة بتفعيل السؤال ،، ووضع الأجوبة المتاحة على لائحة أولويات التنفيذ بعد تحوير السؤال : متى العمل؟.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram