اسم الكتاب: عالٍ إلى حدٍ كبير وضيّق بصورة لا تُصدّق اسم المؤلف: جوناثان سفران فوربعد اللحظات الأولى التي تلت (الكارثة)، بدا وكأن صمتا رهيبا قد سكن البنايات والأماكن العامة أو على الأقل كان هذا هو المشهد الذي صوّره المؤلف لحظة مشاهدة الأفلام المصورة. وكيف أن الملايين من شظايا حطام البرجين التوأمين قد سقطت أشبه بزخات من المطر على مانهاتن من دون ضوضاء ومثلما أوقفت سعة الكارثة وبصورة جذرية أيَّ تعليق عليها أو نقدا أو تفسيرا لها، فأن رياح الانهيار هي الأخرى قد مسحت بعد هبوبها، وبلحظة واحدة العبارات كلها. وشيئاً فشيئاً، عادت الكلمات لتتراصف من جديد ولتبوح بشيء لم تقله مسبقاً.
في البداية انسابت كلمات الذعر والرعب والخوف إلى جانب تلك التي وصفت ما حدث وما تلاه من كلمات الشرح والتفسير لتعقبها في النهاية وبعد مدة طويلة وبشكلٍ أو بآخر كلمات الخيال. وقلنا بعد (مدة طويلة) لأنه كان لابد من مرور بضعة من الوقت وأخذ مساحة مناسبة لكي تخلق الحركة الأدبية العمل الوثائقي التسجيلي. وبطبيعة الحال، وجدت الأمثلة التسفيهية(1) إلى جانب الأمثلة الحقيقة: ففي فرنسا أصدر المؤلف (فريدريك بيغديه) روايته (نوافذ على العالم) عن دار النشر (غراسيه) التي تصف أحداث الحادي عشر من أيلول بعد مرور سنتين عليها. وفي الوقت ذاته، نشر (ديديه جوبيل) رائعته (يوم عودتي إلى الأرض) وكان الحدث واضحاً في هذا العمل. ومع ذلك، بقيت الأنظار شاخصة متطلعة إلى أميركا حيث مكان نقطة الاصطدام منتظرة ردود الأفعال هناك لا في مكان آخر. وكان لابد من فصل العقل لا بل وانتزاعه من تعايشه مع الحدث بغية تفسيره، أو كما قال المؤلف (ترشحه) نقطة نقطة إذا صح التعبير. كما كان لابد من استخلاصه في الوقت نفسه من الإحساس الطبيعي بالرعب ومن التمثيلات الأحادية التي فرضها الخوف والانفعال الجماعي. وقد كوّن الخيال العلمي، بالنسبة للقارئ، مشكلة أخرى وهي مشكلة الشرعية التي تفسر لماذا أثار الخيال العلمي وبصعوبة بالغة بقايا الجمرات وتلول الرماد الذي برد للتو. وأفترض- بخلاف الأعمال الوثائقية- انحرافاً واضحاً في التاريخ وإعادة تمثيل جعلته مدمراً ومهدماً بشكلٍ لا يصدق. ومن دون الأخذ بالحسبان بأنه (أي الخيال العلمي) قد تنبأ بالمتعة إن لم يكن نوعاً من الشعور بالخزي والمهانة أو على الأقل الإحساس الغامض بالذنب مقراً بمبدأ أرسطو طاليس (العذاب والشفقة) المتكون عبر التوسط في حكاية ما من دون ذكر الضحية فيها. وقد اكتشف مؤلف الرسوم المتحركة (آرت سبيغلمان) هذا الإحساس في رسوماته التي صوّرت هذا الموضوع بعدما جمعه في ألبوم استثنائي بروعته أسماه (تحت ظل اللابرجين)، لدار النشر غاسترمان في عام 2004، مثلما شرح عمله آنذاك في مجلة (اللوموند دو) في تاريخ الرابع من أيلول لعام 2004. أليست مصادفة انتظارنا خمس سنوات لنشهد ظهور الموجة الأولى من الروايات والأفلام التي تدور حول أحداث الحادي عشر من أيلول؟ وقد لا يخفى علينا هنا أن الفيلمين،(مركز التجارة العالمي)و(الرحلة ثلاثة وتسعون) للمخرجين أوليفيه ستون وبول بنغيداس قدما نظرة واقعية إن لم تكن طبيعية عن الحدث وأهواله بخلاف الأعمال الروائية.ولدى حديثنا عن الخيال وسلطته، نجد أن الكاتب الأميركي (جي مغ ايتري) لم يهتم في عمله (الحياة الهانئة)، الذي صدر في فرنسا عن دار النشر انوف ربيع عام 2007، بكارثة سقوط البرجين المعروفة، إنما اهتم بآثارها المباشرة على المدينة أو بالأحرى كيف غيّر سقوطها وبصورة جذرية حياة كلٍّ من (غورين ورسل)، وهما البطلان في إحدى مؤلفاته المتتابعة ضمن سلسلة اسماها (ثلاثون عاماً من تساقط الغبار) الصادرة في عام 1993 عن دار النشر أوليفيه. وفي حين تخيل المؤلف الانجليزي (أيان مغ إيوان) في عمله (يوم السبت) عن دار النشر غاليمارد 2006، على نحوٍ غير مباشر، كيف أن التهديد المستمر المتولد عن محاولات الاعتداء هذه، قد لوث حياة الناس من دون إدراكهم لذلك. وفي النهاية، أخل عمل (إرهاب) للمؤلف (جون أويديغ) لدار النشر نوف بنظام الطرق الروائية الكلاسيكية، واصفاً وجهة نظر المعتدي وعلى غرار المؤلف مارتن آمي. ونشر الروائي البريطاني وبعد نصوص عدة كتبها عن أحداث الحادي عشر من أيلول، في المجلة الأدبية (مواطن من نيويورك) في نيسان عام 2006، قصة طويلة ومؤثرة بعنوان (الأيام الأخيرة لمحمد عطا)، بحيث أدّعى المؤلف الانزلاق في عقل زعيم الإرهابيين، واصفاً إياه بأنه رجل معقد نفسياً ومكبوت بعمق ومصاب بالإمساك المزمن وبألم في المعدة وبالصداع النصفي (الشقيقة)، علاوة على مقت شديد وبغض لذاته. في حين انطوى عمل الروائي الأميركي الشاب (جوناثان سفران فور) ،وعلى نحوٍ مطابق للصورة الأصلية، على الولوج في أنقاض البرجين، محاولاً إيجاد الحياة فيهما من جديد.... هناك حيث بدا الموت مهيمناً على كل شيء... ألا يُعد هذا العمل سلطة من سلطات الخيال!؟ ولعل أحدها تجلى في العمل التالي: (إذ لم يبلغ أوسكار شيل) بطل رواية (عالٍ إلى حدٍ كبير وضيّق بشكلٍ لا يصدق)،الثماني سنوات عندما اختفى والده في المحاولة التي استهدفت مركز التجارة العالمي. وبعد مرور عامٍ واحد على ما أسماه (باليوم السيئ)، وجد الطفل البطل صدفة مفتاحاً في خزانة والده المفقود وتحديداً في وعاءٍ أزرق وداخل ظرف كتب عليه اسم (بلاج). وعن طريق هذا الاسم المعروف للغاية، رمى المؤلف المعروف بروايته (كل شيء مضيء) بنفسه في محاولات مدهشة ومثيرة للإعجاب، متخيلاً الصراع ضد فكرة الفقدان. وباشر أوسكار- وعلى الرغم من الفوبيا التي اعترته- زيارة ذوي البشرة
الرواية تحت ظل البرجين
نشر في: 12 سبتمبر, 2011: 06:03 م