عبد الخالق كيطانيعدّ مشروع محو الأميّة الذي دشّنه النظام السابق في سبعينيات القرن الماضي واحداً من المشاريع الحيوية التي عدّت في وقتها أكبر من حاجة ضرورية وقتية إلى حاجة مستقبلية. ولقد أنقذ المشروع عشرات الآلاف من المواطنين من البقاء أسرى الجهل والخرافة بتعليمهم القراءة والكتابة، فيما وصل المعلمون في حينها إلى مختلف أنحاء العراق، مع حملة إعلامية مناسبة اشتركت فيها فعاليات مجتمعية مختلفة.
ومع انتهاء العقد الأول من الألفية الثانية، كان الأمل يتضاءل بأن يكون العراق قد ودّع وإلى الأبد مشكلة الأميّة، ولكن الوقائع على الأرض أثبتت خطأ مثل هذا الرأي، بل وتخلّفه. نسب الأمية في البلاد إلى ازدياد ما دفع بمجلس النواب إلى تبني قرارات جديدة للقضاء على المشكلة، وتنقل أخبار جديدة أن اليونسكو دخلت على خط مكافحة هذه الآفة. وقصة مكافحة مشكلة محو الأمية لا تنهيها قرارات برلمانية ولا نوايا طيبة فقط، بل عمل دؤوب يشترك فيه الجميع. وإن أوّل ما علينا القيام به هو تشجيع الناس على تقبّل هذا المشروع من خلال تحبيبهم بالقراءة والكتابة وبيان الفوائد التي سيجنونها إذا ما بدؤوا بفك طلاسم الحروف وتكوين الكلمات والجمل، وبالتالي الأفكار لما يعتلج في النفوس. الذي حصل خلال العقدين الأخيرين من عمر العراق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي هو تراجع حاد في أعداد المتعلمين وتسرب أعداد كبيرة من الطلبة في المدارس والثانويات. وأنت الآن تصادف بشكل يومي باعة قناني الماء البلاستيكية أو عمالا في ورش النجارة والحدادة أو في الشورجة وغيرها من الأعمال، من الذين لا يجيدون القراءة والكتابة، ولكنهم يجيدون الحديث في أمور الخرافة. والخرافة لا تزدهر إلا في المجتمع الجاهل، كما يرى علماء الأنثروبولوجيا والنفس والاجتماع على حد سواء، في الوقت الذي تزدهر فيه العلوم والتكنولوجيا في المجتمعات المتعلّمة، أو تلك التي لا تعاني من الأميّة. ومن اللافت، والإيجابي بالنسبة لمجتمعاتنا، أن ديننا يحضنا على التعلم، ويدعو صراحة إلى كراهة الأميّة. ولعلنا نتذكر قصّة عتق الرسول الأكرم لعدد من الأسرى شريطة قيامهم بتعليم المسلمين القراءة والكتابة في بداية أيام الدعوة الإسلامية.لقد مرّت الكثير من الأحداث الجسام في هذي البلاد طيلة الثلاثين عاماً الأخيرة، ومن البديهي أن تفرز تلك الأحداث ظواهر سلبية ليس أقلها الأميّة، حيث اضطرت العوائل إلى تشغيل الأبناء الصغار في سوق العمل لدفع غائلة الجوع. ومن المؤكّد أن الأولاد المتعلمين يمثلون ضمانة مزدوجة، للعائلة والمجتمع، على حد سواء. إن الحكومة مطالبة بتشجيع التعليم بكل الطرق المتاحة، وحثّ الناس على دفع أبنائهم إلى المدارس بدلاً عن الشوارع، كما أنها مطالبة بتدشين حملة وطنية كبرى لدعم القضاء على الأميّة، ففي مشاريع كبرى واستراتيجية من هذا النوع لا تفيد النوايا فقط، كما أسلفنا، وإنما العمل المبرمج والمنهجي الذي تشارك فيه فعاليات المجتمع المختلفة، على أن يتقدم الجميع أجهزة الحكومة بما تمتلكه من مال وسلطة ووسائل ضغط أخرى. هل يمكن أن يأتي اليوم الذي نفخر به بعدم وجود غير المتعلمين بيننا؟ دعونا نأمل...
عين: مشكلة الأمية
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 12 سبتمبر, 2011: 09:18 م