علاء خالد غزالةصدرت في الآونة الأخيرة تحليلات سياسية عن بعض المحللين الغربيين تعبر عن القلق من أن تؤدي الحركات الشعبية المطالبة بالحريات في منطقة الشرق الأوسط إلى ظهور تيار ديني ووصوله إلى سدة الحكم في بلدان المنطقة، وهو ما قد يقود إلى أنظمة سلفية متشددة ربما تغذي الحركات المتطرفة التي تسعى إلى تقويض الأنظمة الغربية وفرض رؤيتها الضيقة عليها. وربما يُعد وصول حركة طالبان إلى الحكم في نهاية القرن المنصرم مثالا على الطريقة التي تستطيع بها حركات ذات نزعة شمولية ان تستحوذ على تأييد واسع بين مواطنيها مشكلة تيارا سياسيا واسع النفوذ على الرغم من ضيق أفكار هذه الفئة وعدم نضجها سياسيا لقيادة البلاد بأسرها.
لكن سقوط حركة طالبان السريع عقب أحداث الحادي عشر من أيلول، نتيجة إيوائها تنظيم القاعدة ودعمها له، وافتقارها إلى منهج سياسي-دبلوماسي للتعامل مع الدول الأخرى، لهو أوضح مثال على عدم أهلية التيارات الدينية المتشددة في التصدي للقيادة السياسية، بدءا من التنظير الى التنظيم وحتى التطبيق، بسبب ابتعادها النسبي عن هموم الشعب اليومية وترفـّعها عن الخوض في مسائل حياتية مثل توفير العيش الآمن والمرفه لمواطنيها، وتوجهها الكامل الى منطق الحروب المصيرية وفرض أفكارها على شعبها أولا ومن ثم بقية الشعوب. ولا شك ان هناك مدا دينيا يقف وراء بعض الحركات الشعبية في العالم العربي، ومنطقة الشرق الاوسط ككل، ربما يكون قد تكوّن كرد فعل عن فشل العلمانية المعتدلة في تحقيق طموحات الشعوب، او نتيجة لتفشي الفساد في مفاصل دول المنطقة، وانتشار البطالة والمحسوبية وضعف إدارة الموارد الطبيعية والبشرية لصالح تحقيق تنمية حقيقية في تلك البلاد. هذا المد الديني وجد في العودة الى الاصول إجابة مبسطة تدعو الى تطبيق المبادىء الاساسية للدين المتمثلة بالعدالة والمساواة والإخاء والتسامح. وعلى الرغم من أن الحركات العلمانية تؤمن بمثل هذه المبادىء السامية، إلا أنها لا تبدو، بنظر المواطن العادي، مقيدة بقانون إلهي يمنعها من تجاوزها على العكس من الحركات ذات الايديولوجية القائمة على أساس تشريعية سماوية مقدسة. ففي مصر، على سبيل المثال، طالما خرجت المظاهرات والاعتصامات لفترة طويلة سابقة لما اصطلح على تسميته بالربيع العربي. ونادت هذه الحركات ذات الطابع العلماني بمحاربة الفساد وإطلاق الحريات والإصلاح السياسي. وقد واجهت السلطات المصرية مثل هذه الحركات الشعبية بطرق لا تختلف كثيرا عن تلك التي استخدمتها في مواجهة الاحداث الأخيرة. وهي قد نجحت في قمع الحركات التحررية كلها باستثناء ثورة يناير التي أدت في آخر الأمر الى الإطاحة بالنظام الحاكم. فما الذي حدث هذه المرة، ولماذا لم تنجح السلطة في قمع المظاهرات المناوئة لها، وهو أمر خبرته على مدى عقود من الزمن؟ المفتاح للإجابة على هذا السؤال يكمن في الطريقة التي تطورت بها الحركات الدينية، ممثلة بحركة الإخوان المسلمين، التي كانت محظورة بشكل رسمي وان كانت حاضرة في المشهد السياسي المصري في كل الأوقات. فتلك الحركة وجدت لنفسها سبيلا للمصالحة غير المعلنة مع السلطة من خلال إعلانها نبذ العنف وإدانتها كل العمليات الإرهابية التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة، وهو ما حسّن من صورتها ورفعها الى مستوى الحزب السياسي المنفتح إيديولوجيا، بدلا من الحركة المتطرفة ذات الأفق الضيق. وقد ساهم هذا الامر، بالاضافة الى ايلائها بعض الاهتمام لما يشغل بال مواطنيها، في توسيع قاعدتها الوطنية وتحولها الى مؤسسة ذات بعد وطني وشعبي متجذر. ومع ذلك، فان حركة الإخوان المسلمين فضلت البقاء في الظل طوال فترة المظاهرات التي طالبت بإسقاط النظام المصري برئاسة حسني مبارك، وانضوت تحت العلم المصري الموحد، رافضة استخدام أعلامها وشعاراتها في تلك الحركة الشعبية. ومن الواضح ان سياسة الاخوان تلك قد ساهمت في التخفيف من المخاوف الغربية حول احتمال وصول حركات دينية متطرفة الى سدة الحكم في مصر إثر الحركة الشعبية التي انطلقت في يناير/كانون الثاني من هذا العام، ومن ثم اصبح من الممكن استحصال الدعم الغربي لتغيير النظام. لقد كانت النتيجة نصرا ساحقا ومفاجئا لحركة الاخوان المسلمين، الذين لم يكن يرتاب احد في حضورهم ضمن الحركة الشعبية المناوئة للنظام المصري السابق، ان لم يكونوا على رأس هذه الحركة.وإذا كان الاخوان قد قدموا لأنفسهم بمثل هذه الطريقة لضمان عدم إثارة المخاوف الغربية، او حتى الإقليمية، فإنهم ان استطاعوا الوصول الى السلطة بطريقة الاقتراع والوسائل الديمقراطية سوف يكونون اكثر حرصا على تهدئة الهواجس المرافقة لحركتهم. ويجدر بنا تذكر ان الكثير من عناصر القاعدة قد نشأ بين احضان حركة الاخوان المسلمين وتغذى من افكارها، قبل ان تتخلى هذه الحركة عن تنظيرها السابق. وبالمثل، فقد ظهر من بينهم العديد من المتطرفين الذين نفذوا عمليات صنفت على انها إرهابية سواء في مصر او خارجها. لذلك فان مجرد اعلان نبذ العنف قد لا يكون كافيا لتحسين صورتها عالميا. وهكذا فإنهم بعد ان تتاح لهم فرصة تسنم السلطة في مصر سوف يبذلون كل ما في وسعهم لإثبات اعتدالهم، لانهم يدركون انهم بدون هذه السياسة لن يكون لهم بقاء طويل الاجل، وإنهم سوف يخاطرون بفقدان الدعم الشعبي إن هم قادوا البلاد الى طريق يفضي الى العزلة الدولية. وفي اليمن تختلط الايديولوجيات بحيث لا يمكن فرز تيار سلفي او ديني متشدد او معتدل من بين الحركات التي تقف وراء تحريك الشارع اليمني ضد النظام الحاكم. لكن يبدو ان القول الفصل في إدارة تلك الحركات يكمن لدى الزعماء القبليين، وهم ليسوا با
الثورات العربية وهاجس المدّ الديني
نشر في: 16 سبتمبر, 2011: 06:39 م