حازم مبيضينلاشك في أن أحلام اليقظة غير القابلة للتحقق, جنحت ببعض السياسيين العرب, الذين يوصفون بأنهم من جماعات الإسلام السياسي، إلى الظن بإمكانية استعادة دور الخلافة العثمانية, وهم أعدوا للجهر بمطالبهم خلال زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للقاهرة, ورفعوا لافتات تدعوه إلى إقامة الخلافة الإسلامية، لكن الرجل العاقل المدرك لحقائق الأمور, تجاهل هذا المطلب العجيب, ليشيد بعلمانية بلاده, ويدعو للاقتداء بها في عملية بناء الدول العربية التي تحررت من طغاتها, وتتطلع شعوبها إلى بناء الدولة المدنية, المؤمنة بالديمقراطية والحرية وحقوق الانسان.
لم يعجب طرح أردوغان الداعين للخلافة, فانقلبوا عليه فوراً, متهمين إياه بالتدخل في شؤون بلدهم الداخلية، وانتقدوا ما اعتبروه محاولة تركيا الهيمنة على المنطقة العربية, رغم أن لافتات ترحيبهم به كانت تشير إلى أن مصر تركيا إيد واحدة، وأن مصر وتركيا عاوزنها خلافة إسلامية, وحتى حين قرر مخاطبة المصريين من دار الأوبرا، وليس من مشيخة الأزهر, فان المتأسلمين هتفوا له "أردوغان يا زعيم وحد صف المسلمين"، ويبدو أن هؤلاء يجهلون أو يتجاهلون, أن أردوغان زعيم سياسي لدولة علمانية, وليس شيخ طريقة, ولا هو باحث عن لقب السلطان ولا الباب العالي ولا الصدر الأعظم.أردوغان لم يتوقف عند فهم أن الاخوان المصريين, وإن كانوا قوة لايستهان بها, فإنهم ليسوا القوة الوحيدة أو المهيمنة, وأن هناك الكثير من القوى التي أسهمت ربما أكثر من الاخوان في إطاحة مبارك, وأن لهؤلاء الحق في المساهمة في إعادة صياغة الدولة المصرية, وهم لن يتركوا حقهم هذا بين يدي الإخوان, وإنما تجاوز ذلك ليؤكد أن حزبه وإن كان في بدايات تأسيسه تأثر بفكر سيد قطب, فإنه اليوم ليس حزباً إسلامياً، لأنه لا يوجد اليوم ما يمكن أن يسمى بحزب إسلامي ديمقراطي, ومضى أكثر ليؤكد ما هو مؤكد عند غير الاخوان المسلمين, من أن الدول العلمانية لا تعني اللادينية، وإنما تعني احترام كل الأديان وإعطاء كل فرد الحرية في ممارسة دينه. إخوان مصر الذين يحلمون باستنساخ تجربة الخلافة, التي انتهت بثورة شعبية منذ حوالي القرن, حين غادر العثمانيون بلادنا بحد السيف, يلعبون على الألفاظ كعادتهم, وهم اليوم يهاجمون أردوغان, على أساس أن تجارب الدول الأخرى لا تستنسخ، وأن نصيحة أردوغان للمصريين بتطبيق العلمانية تعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية لمصر, ويتهمون أنقره بمحاولة الهيمنة على المنطقة العربية، وفي محاولة للقفز على الحقائق, يزعم الإخوان أنهم يسعون إلى إقامة تحالف إسلامي مع تركيا, يعتمد على القوة الاقتصادية، لإرغام إسرائيل على الرضوخ للمطالب العادلة للشعب الفلسطيني، وإحداث توازن في القوى بين دول المنطقة.ليس سراً أن أردوغان لم يزر مصر للترويج للعلمانية, لكن حماس الإخوان المصريين لدولة الخلافة أجبرته على مفاجأتهم بإشادته بالعلمانية, وهو يدرك تماماً أن تجربة بلاده ليست هي المطلوب تطبيقها عند المصريين، وهو لايستطيع تجاوز تجربته الشخصية, ومحورها أن العلمانية هي التي أتت به من قاع المجتمع التركي, إلى أرفع المناصب السياسية في الدولة، وأنه رجل دولة علمانية بنص الدستور, وأنه في حالة تجاوبه مع إسلاميي مصر سيهدد مكانته السياسية، ويهدد بإحداث أزمة ضخمة في بلاده, وليس سراً أن فقدان الرجل شعبيته عند المنتمين للتيارات الإسلامية لايعني عدم ازديادها عند بقية القوى السياسية في المجتمع المصري بمن فيهم المجلس العسكري الحاكم.لم يعتمر أردوغان عمامة السلاطين في قاهرة المعز, ولم يزرها باحثاً عن أمجاد عفا عليها الزمن, فالرجل يعمل في السياسة وليس في التكايا, وبلاده تمر بأزمة علاقات مع إسرائيل وسوريا وربما إيران, وهي تفتش عن حلفاء, ولا تقدم دروساً في أساليب إنشاء الدول, لشعب دولة عرفها التاريخ, وعرف حضارتها قبل أن يمتطي العثمانيون خيولهم لغزو العالم العربي وقيادته لعدة قرون.
في الحدث: أحلام الإخوان وواقعية أردوغان
نشر في: 16 سبتمبر, 2011: 07:40 م