شاكر الأنباري المفارقة في العراق اليوم ليس حقيقة انتشار العنف، فنحن مجتمع ظل يعيش، ويتنفس العنف منذ عشرات السنين. ابتدأت الظاهرة بالعنف ضد القوى السياسية، والإثنية، ولم تنته بالحروب التي شنها النظام السابق على مدار حكمه، ليتوج ذلك بالعنف الطائفي، والمذهبي، والحزبي، بعد سقوط النظام. ولكن المفارقة تكمن بقضية تقبل العنف، وهنا ينبغي الوقوف أمام هذه الظاهرة. ظاهرة تقبل العنف في المجتمع لها دلالات سيكولوجية، لها علاقة ربما بالفترة الزمنية
التي عاشها المواطن العراقي وهو يرى حوله الجثث، والتصفيات، والمشاهد البشعة للضحايا، سواء في الحروب أو التصفيات الطائفية والإرهابية. يرى ذلك منذ الطفولة وحتى اليوم. وقد كانت ظاهرة عامة في معظم المدن العراقية، ويصعب الهروب من نتائجها وآثارها، حتى لأجيال قادمة. وهي كانت الأساس الذي جلب إلى الأرواح ثمرة تقبل ذلك العنف، حين يصبح العنف مألوفا، شائعا، وجزءا من الحياة اليومية. الأكثر خطورة من كل ذلك هو تبرير العنف أيضا، وهنا يعاد تعريف العنف ويعاد تصنيفه، لكي يصبح الحديث عن عنف مبرر أم لا. نعم هناك عنف مبرر اليوم، ويتقبله الفرد البسيط، بل ويفرح له أحيانا، وهذا ما يمكن لمسه في ظاهرة شرعنة العنف إذا كان موجها ضد هذه الطائفة او ذلك الحزب. وهنا يكون لدينا عنفان، واحد غير مشروع ومرفوض إذا ما وجه الى العشيرة الفلانية التي ينتمي إليها الشخص، أو الطائفة أو الدين، بينما يكون ذات العنف ضروريا إذا ما وجه الى الحزب المناوئ او الطائفة الأخرى. هذه الظاهرة تضرب عميقا في النسيج المجتمعي العراقي، ساهم في رفع رصيدها غياب المعايير الأخلاقية والقانونية. ففي كل جريمة يمكن أن يوجد تبرير ما لها، من الناحية الأخلاقية والسياسية والعشائرية. لكن الجريمة تبقى جريمة، ويكون الفيصل في هذا للقانون، وحياديته وفصله عن الأهواء السياسية والحزبية. وهذا ما لا يمكن تحققه في مجتمعنا أمام الفوضى الهائلة التي نعيشها. ثمة جرائم اغتيالات ارتكبت في الشهور، والسنوات الماضية، خضعت لهذه المفارقة، وثمة شرائح فرحت للاغتيال وتقبلته، وأخرى حزنت وأدانت، ولكلا الموقفين خلفيات طائفية وسياسية، لكن الاغتيال يبقى اغتيالا مهما كانت التفسيرات. الاغتيالات تعني غياب القانون، وفلتان الوضع الأمني، واثبات جلي لوجود مافيات، وأجندات خلفية، وعصابات قد تكون سياسية او طائفية او إرهابية تمارس عملية الاغتيال. ومهما تكن ذرائع الاغتيال، او دوافعه، يظل ذلك مؤشرا خطيرا على حالة عامة مزرية، يفتقد فيها المواطن، والمسؤول على حد سواء، الأمان في حياته، وسكنه، ووظيفته. والاغتيال، والعنف بصورة عامة، إرهاب للآخر، للسياسي المختلف، والمذهب المختلف، والدين المختلف، يدفعه اما إلى الانكفاء او الهجرة او المداهنة للطرف القوي، وكل ذلك يشير الى خلل كبير في الحياة العامة. خلل كبير في الطبقة الحاكمة، وخلل كبير في الشارع والمجتمع. ومجتمع خائف لا يمكن ان يعيش حياة طبيعية مثل بقية شعوب العالم، كما لا يمكنه ان يتطور ويبني مستقبلا واثقا. وليس غريبا في مجتمع يحكمه العنف، والتصفيات السياسية والإثنية والحزبية والطائفية، ان يتسيد فيه الفاسد، والقاتل، والانتهازي، والفارغ من أي ملمح إنساني. هنا حيث تضيع الرؤى والمشاريع والخطط والمراجعات والقيم البشرية وحتى البرامج الوطنية، وهذا ما نحن عليه اليوم مع شديد الأسف.
كلمات عارية :تقبُّل العنف
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 17 سبتمبر, 2011: 12:02 ص