عبد الخالق كيطان عرضت فضائية عراقية تحقيقاً بشأن قصة حمّالي الشورجة، وتضمّنت القصة مقترحاً لإدخال آليات صغيرة للعمل في الشوارع الضيّقة والأزقة المتفرّعة من سوق الشورجة الكبير بدلاً عن ذلك الانهاك اللاإنساني الذي يتعرّض له الحمّالون في عملهم الشاق. واللافت في القصة أن عدداً من الحمّالين استنكر ذلك المقترح لأنه "يقطع أرزاقهم"، كما قالوا.
وإذ نتفق مع الحمّالين في ذلك، فنحن أولاً وأخيراً لا نبحث عن "قطع الأرزاق"، فإن حالهم في الوقت نفسه لا يسرّ عدواً ولا صديقاً، ناهيك عن المشاكل التي يتسبّب بها، وأوّلها الزحام الخانق وعرقلة السير في ساحة الرصافي وشارع الجمهورية وشارع الرشيد والأزقة الصغيرة المتفرعة هناك.ومسألة وسط بغداد، الشورجة تحديداً وشارع الكفاح، ستظل مشكلة عمرانية وأخلاقية، فهذه المنطقة تضجّ بحركة بشرية مستمرة، ويرتادها أعداد غفيرة من المواطنين سواء بصفة تجار أو متبضعين، وصارت تمثل اليوم رئة الاقتصاد العراقي الحقيقية. وبالرغم من ذلك فشلت كل الجهود التي تريد إخراج أصحاب التجارة الأساسيين منها وتحويل مخازنهم ومحالهم إلى مناطق أخرى، فالتجار يريدون البقاء في هذه المنطقة، وكذلك المواطنون، بسبب قربها، والدولة من جهتها لم تستطع أن تجد المكان البديل، وإذا وجدته فإنها لم تتعهّد بتأسيس شبكة مواصلات مناسبة تجعله قريباً من الناس، وهكذا ظل الطرفان كلّ يصرّ على موقفه.أما الموضوع الأخلاقي فيتمثل بمسؤولية الدولة أزاء هذا الموضوع، فالعمارات والمباني والبيوت المنتشرة في المنطقة كلها آيلة للسقوط، ويكفينا شاهداً تلك الحوادث المستمرة التي تشهدها من انهيارات وحرائق وما شابه. مسؤولية الدولة الاخلاقية تتمثل في تأمين سكن ملائم لهؤلاء، وتأمين سلامتهم وحياتهم الرغيدة، ناهيك عن الأهمية الجغرافية للمنطقة بوصفها وسط بغداد، ومن الجميل أن تشهد هذه المنطقة تطوراً عمرانياً وحضارياً يتلاءم وعاصمتنا الحبيبة ومكانتها التاريخية.إن الحمّالين في الشورجة لهم حججهم، ولكن الدولة في ذات الوقت قادرة على تطمينهم من خلال توفير فرص عمل تناسب مواهبهم وقدراتهم. من خلال توزيع الآليات الصغيرة لهم في حال تمّ العمل بهذه الخطة حالياً. وهي خطّة بكلّ الأحوال لا تقضي على المشكلة ولكنها تخفّف من حدّتها. وفي كلّ الأحوال، فإن صورة هؤلاء الرجال والشبيبة وهم يجرّون عرباتهم الثقيلة هو أمر مؤسف ولا إنساني ويتطلب حلولاً سريعة تنصف آدمية هؤلاء وإن رفضوا هم ذلك لأسبابهم الخاصة. ومن اللافت أن بعضاً من هؤلاء الحمّالين هم من حملة الشهادات الجامعية ولم يجدوا فرص عمل تتلاءم مع تحصيلهم الجامعي إلا في أسواق الشورجة بصفة حمّالين، كما أن أعداداً كبيرة منهم من المرضى والمعوقين الذين تجبرهم ظروفهم العائلية القاسية على تحمل مشاق العمل في الشورجة من أجل تأمين لقمة العيش.والسؤال الأخير: كم من هؤلاء حصل على راتب من ما يسمى بشبكة الحماية الاجتماعية، التي عدّت في حينها إنجازاً كبيراً للحكومة وجهودها على طريق إنهاء معاناة الناس من غير الموظفين؟
عين :حمّالون في شارع ضيّق
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 17 سبتمبر, 2011: 07:49 م