عالية طالبمع بداية التغيير السياسي الذي حصل في العراق وانطلاق فضائيات محلية وعربية وعالمية من العراق بكل ما يمكن أن تتضمنه تفاصيل عمل هذه الفضائيات وأجنداتها المختلفة.. في تلك المراحل الأولى التي بدأ فيها مواطننا يستقبل السيل الهادر من الأخبار والملاحقات والتحاليل السياسية الغرائبية والعقلانية ، خرجت علينا بعض تلك الفضائيات بمفهوم " خلق الخبر " بمعنى انه إذا لم نجد إثارة أو أزمة ما في يوم ما فعلينا أن نخلقها ونضخمها ونتابعها ونقلب الدنيا بها.
وتأكيداً على هذا المفهوم كان بعض ممن عمل مع تلك الفضائيات من الزملاء ، يتسلم صباحا عبارة " يله خلينا نشعلها ". والأغرب أن بعضاً من أولئك الزملاء استمر في العمل معهم إلى الآن والبعض ممن يحترم مهنته ويعمل على إثبات الحقيقة دون تهويل أو فبركة فضل الاستقالة . ولأن العقل الإعلامي الحر هو حجر أساس إنجاح وسيلة البث، فلنا أن نتساءل لماذا يحيك هذا العقل إن كان حرا خيوط أزمات متتالية يفضل آن يعيشها بلده، ولماذا يسعى بكل قوته على توتير الأوضاع بدل تهدئتها ،وصب الزيت على النار بدل البحث عن إخماد اللهب ، وما ذنب المتلقي البعيد جغرافيا عن مجريات الأزمات وأمكنتها وهو يستقبل صوتا جهوريا يذكره بالبيانات العسكرية التي كان يطلقها النظام السابق في حروبه الصبيانية والتي تختم بعبارة " فليخسأ الخاسئون " التي تعود حية الى الذاكرة حتى وان لم تنطقها تلك المؤسسة الإعلامية بصوت من يدير حواراتها الصاخبة ؟! فهل نحن فعلا نفتقد المتخصصين في إدارة الازمة سواء على مستوى الإعلام الحر أو على مستوى المؤسسة الرسمية التي لابد من أن تكون الحاضرة في أية أزمة ولا تهرب من مسؤوليتها بالصمت الذي يصلح ليكون سلاحا بيد من يرغب باستخدامه في وجه الجميع بلا استثناء؟، وهل نحن نفتقد المعنى الحقيقي لحرية الإعلام ونترك الإعلام المبني على المصالح يسرح ويمرح على أعصاب المواطن وأحلامه وأفكاره ومستقبله؟من المهم أن يشخص إعلامنا المحلي بكل مفاصله رأي الشارع العراقي فيه والذي استطاع عبر خبرة السنوات السابقة معرفة ماذا يعني هذا الخبر أو هذه الأزمة أو تلك، ولكن على ما يبدو إن الإعلام المحلي ليس لديه ذات الخبرة وبقي يعمل على اصطياد المشاعر وتأجيجها من خلال الاصطياد في إحداث الأزمات العراقية وتبويبها ومحورتها ثم تحرير الحدث بأزمة اكبر وذات تأثير أكثر على المتلقي ومن خلال اللعب على الوتر الإنساني , حيث من السهل لأي فضائية من اجل إنجاح برنامج معين أن تتناول خبرا بسيطا وتحوله إلى أزمة كبيره لايمكن حلها، وفي الواقع هو صناعة وخلق أزمة جديدة . ألا يكفينا أزمات أم أن في جعبة الممولين لهذا الإعلام العديد من المصالح لم يتحقق الكثير منها وعليها أن تبقى فاعلة على تحقيقه؟.
وقفة: الإعلام وخلق الأزمات
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 17 سبتمبر, 2011: 08:31 م