في المدى، وفي القسم الثقافي، استرسل الشاعر والمثقف الموسوعي ياسين طه حافظ في حديث عراقي حميم في الثقافة والسياسة والأحزاب، مالها وما عليها.. تحدث عن أخطاء الماضي ومقتضيات المصلحة الوطنية اليوم. اتسم الحديث بالروح الوطنية وبالاحترام للأحزاب وأفكارها.. قال في بداية حديثة:
اعتدت على النظر إلى نقاط الضوء، إلى ما هو جميل في الناس والحياة ولا خلاف مع الأفكار، الخلاف مع أساليب العمل والسلوك في التطبيق. وهذه مسألة تحضّر أكثـر مما هي فكرية.. وما دام مسعى غيرنا لخير الوطن وسعادة شعبه، وجب علينا احترامه. ما اهتم به هو جمع الطاقات والأفكار في اتجاه واحد لتحقيق مستقبل أفضل للناس والبلاد...""ثقافة المدى" تنشر هذا الحديث كاملاً في حلقات، على أن تعقبه طاولات مستديرة لمناقشة هذا الموضوع من قبل المعنيين بالشأن الثقافي في العراق.■ المدى الثقافيrnياسين طه حافظلسنا منظرين من بقايا المثاليين لنفصل بين الثقافة والحضارة ولنحكم بان الثقافة يصيبها الضنى والشيخوخة إذا تحولت إلى حضارة.. هذا الكلام لا ينسجم وما نراه في العالم. هو خطأ واضح في الدول النامية. لذا نقول بان الثقافة هي المحتوى الروحي والمعرفي للحضارة. وما أصاب الثقافة هي تلك الآثار، التصدعات، التي تركها اصطدام حركة التقدم بأسلحة وكلاء ومأجوري رأس المال وحماة مصالحه النفطية. لقد حوصرت حركة التقدم ثم تم الانقضاض عليها من قوى الخارج تموهها قوى الداخل المضادة والمشحونة غيضاً. ما كان يحصل الصدام بهذه القسوة والشراسة لو كانت الخلافات فكرية حسب، لقد كان الاحتراب موجها بشكل مدروس لإحداث الصدمة والتي ستتكرر بصدمة ثانية للمنتصر بعد أن انتفت الحاجة له كما حصل في 1963 أولاً ثم في 2003.جوهرياً، كان الهدف واحدا ليمتد قوس القوى الأمريكية من البحر الأحمر، قطر، البحرين، الكويت، العراق، تركيا. كما أن قوسا آخر يمتد باتجاه أفغانستان، الصين باتجاه حدود روسيا (بقايا الاتحاد السوفيتي) أيضا.إذن، ورثنا ارتباك القيم مع الارتباك الاقتصادي والإداري والجو المهيأ، بقصدية عالية، لصدام المصالح. صارت تقاطعات الاتجاهات الثقافية غطاء لتقاطعات التوجهات السياسية أو النفعية إذا اختصرنا المسافة!.الهوس أو الحماسة اليومية عادة ما تنسي أو تبعد التفكير بالنتائج المصيرية التي ستعقب الاشتباكات اليومية. وكما تورط أهل الفكر في حماساتهم وتحريضهم ضد الاتحاد السوفيتي، أدباء ومفكرين وصحفيين، فأحسوا من بعد أنهم ارتكبوا خطا فادحا وأنهم أسهموا في إضعاف السد.. كذلك، سيشعر المتخاصمون- الشركاء عندنا بشناعة العمل الذي ارتكبوه ويرتكبونه وقد أضاعوا الديموقراطية بالسذاجة السياسية والبراعة النفعية.. الحماقات السياسية في الدول النامية تجد دائما من يرتكبها!.المؤسف جدا إن هذه الخلافات تتخذ لها من تنوع مكونات الثقافة العراقية ركائز. إنها الحاجة إلى حياد عقلاني يضع الأمور في نصابها. فمن الغفلة تنحية أي مكون ثقافي بسبب الانحسار النفسي عنه أو بسبب الرأي في أسباب النشأة أو الخلاف الجوهري مع آفاقه الفكرية. كل ثقافة محترمة، والتطبيقات والنتائج للاحتكام العقلي.. ومع ضائقة الورقة، سأمر على نقاط أساسية للاحتكام.إذا تذكرنا العراق قبل سبعين سنة، حيث نسبة الأمية أكثر من تسعين بالمئة، وانقطاع الناس في قراهم أو مدائنهم وإنهم في قرى الجنوب أو القرى الجبلية يرون بغداد في قارة أخرى، ولا صحيفة ولا إعلام. إذا تذكرنا ذلك، يظهر لنا العمل العظيم الذي أنجزه الماركسيون. لقد جاءت الماركسية لتقول لأولئك الفلاحين المنقطعين عن العالم والناس المهملين، إنهم بعض من إنسانية مناضلة في العالم الكبير وهي تناضل من اجل حياة أفضل وعدالة اجتماعية وسكن وخبز للجميع. راحت تعلمهم الاقتصاد والسياسة الدولية وحقوق الإنسان والديمقراطية والاستغلال ورأس المال وتؤجج فيهم الأفكار والمشاعر الوطنية ،كما أعطتهم دروساً تربوية في التعاون وكسب رضا الآخرين والتكافل الاجتماعي. كان ذلك عملا مجيدا في التثقيف وفي التربية الاجتماعية لا تقدر عليه عشر جامعات! إن سجلهم النضالي في العهد الملكي، لا ينافسهم عليه احد.مهما كانت الخلافات مع التوجه والأفكار التي يدين بها الحزب الشيوعي، لا ينبغي أبدا إغفال هذا العمل التنويري العظيم الذي قام به من شمال العراق الى جنوبه. كان للماركسية دور مثل ذلك الذي ارتآه كاسپرز الذي يرى "ان للفلسفة وظيفة تربوية تعلم الإنسان تنمية قدراته مما يتيح له تشكيل حياته الفردية والاجتماعية". كان تطبيق الماركسية لذلك جيدا.كما ان الخلاف مع البعثيين، وإقرارنا ، من بعد، بالدكتاتورية الشرسة لشخص صادر الحزب وأضاع الجهود النضالية لقواعده... ، أقول مع إقرارنا بذلك، لابد أيضاً من الإقرار بالروح القومي الذي عمل الحزب على إشاعته. الشعور القومي ضروري لأي تحرك وطني، لا في العراق حسب، ولكن ذلك ما نجده في التاريخ الأوربي، والعديد من دول العالم، بما فيهم روسيا، الاتحاد السوفيتي من بعد، كما أن دور الإسلاميين في كشف الباطل والتحريض على الوقوف ضد الظلم، هو عمل نضالي عظيم أيضاً يجب احترامه وربطه بالنضال الوطني.الفكر الإسلامي والثقا
حـــــزن الــثــقــافـــــة الـمـــريـــــر "4"
نشر في: 18 سبتمبر, 2011: 06:48 م