عبد الخالق كيطان لم تكن جمعة الأسبوع الماضي عادية. كانت روح المرحوم هادي المهدي تتجول هناك عبر فعاليات مختلفة. الأولى تبناها بيت المدى للثقافة والإعلام والفنون في شارع المتنبي عبر فعالية شارك بها العشرات من الأصدقاء. ثم كان الموعد على شاطئ دجلة بفعالية قادها النبيل نصير غدير.. وأخيراً ذلك الوفاء الثرّ من قبل صاحب مكتبة الحنش الصديق كريم.
عليّ أن أقول هنا، كم كان لافتاً أداء الراحل رياض أحمد لكلمات قصيدة النواب المشهورة هذي؟ رياض الذي يذوب وهو يتلو قصائد موجعة من هذا النوع كان حاضراً بالأمس في شارع المتنبي، مثلما حضر النواب.. وذلك عبر وصفة محبة، وتأبين، اخترعها كريم وعلقها على مدخل القيصرية لتكون شاهداً.الأمر لا يحتاج إلى جهد كبير، بل إلى محبة كبيرة، لكي تعلن أن هادي المهدي يتجول بيننا الآن مقلّباً الكتب في شارع المتنبي. فأنت تنهي، وهادي بالطبع، جولتك لتتوجه إلى القيصرية كي تشرب شاياً وقبل أن تدلف إلى الداخل تواجهك يافطة كبيرة عليها صورة الشهيد وكتب إلى جانبها: (خضري يا روحي اعله بختج هذا آخر شوك عدنهخضري وانطي شما بحيلج من ورد جايتنه مزنهانطي كل البيج للنسمه كبل ما الريح يهزنهخضري فوك الباب، فوك العتبه، فوك الرزه خاف السنه تعبرلا يروحي اشكـد محـزنه)...محزونة هي الروح، عندما لا تصادف غير الموت يتربّص بالمحبين، وكان هادي محباً والمحب لا يقابله أصحابه إلا بالمحبة، وهذا ما كان يوم الجمعة. ففي بيت المدى ضجّ المكان بالمحبين.. وفي القيصرية وعلى شاطئ دجلة.. أما الحديث فكان بطله هادي أيضاً. هذا ما تمناه صاحبي على أي حال. ولقد كان حضوره الطاغي في المكان الذي يحلّ فيه هو ذاته الذي تكرر يوم الجمعة الماضية، وإلا فقل لي، كيف استحضرنا في ذاك النهار حتى الأصدقاء البعيدين مثل أحمد المهنا وهاشم العقابي وصلاح نيازي؟ كان الحوار يدور حول هادي المهدي، وكان الجمع يتفكّر في سيرته.وأعود إلى رياض والنواب والحنش والمهدي... حيث كانت اللمسة حانية بالفعل. مؤسسة المدى وضعت صورة للمهدي بحجم كبير وسط شارع المتنبي ضمن تغطيتها للفعالية التي تقوم بها، وهو تقليد محسودة عليه، فهي تنتصر للعراقي بمختلف مسمياته عبر بوابة بيت المدى، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن صمت مريب تمارسه مؤسسات رسمية عن الاحتفاء بالمبدع العراقي. وفي الجهة المقابلة يقوم أحد الصحاب بتأبين الراحل بطريقة شعرية لا تقل روعة عن تأبين بيت المدى، النموذجان يمثلان الأمل ولا شك. وبين النموذجين ثمة المقهى المرتجل، هناك حيث يأتي الأدباء والمثقفون من مختلف أنحاء العراق، بل ومن خارجه أيضاً، في موعد أسبوعي بلا تخطيط، فيكون حديث الجميع ذلك الفنان الذي سرق الاغتيال مشروعه الإبداعي، ولا أقول السياسي. خضري يا روحي..... آهة عشق لا يفهمها غير المكلومين...
عين :خضري يا روحي

نشر في: 18 سبتمبر, 2011: 08:25 م