في إحدى الليالي في أيار من عام 2008 وهي تعمل على المكتب في شقتها في هارلم تكتب شريفة رودس- بتس"طائرة مروحية تدور حول المنطقة"، وفي الصباح التالي وهي تستيقظ على أخبار جرح ثمانية أشخاص بسبب إطلاق نار على بعد بضعة صفوف مبان من منزلها تدون ملاحظة أخرى :"لم أسمع أية طلقات ولم أسمع أية صيحات ولم أسمع ضجيج الحشود التي قيل أنهم قد تجمعوا في الجادة"، وملاحظة أخرى :
"البقاء في الداخل أمان والبقاء في الداخل هو لتجنب أن تكون شاهداً"، وهذا الإخفاق في وضع نفسها كشاهدة على مدّ الأحداث خارج باب منزلها، بالنسبة لرودس، هو إخفاق في واجبها ككاتبة ومواطنة. وروح الجماعة هذه في التفرج والتدوين – في كون المرء حاضراً حضوراً كاملاً – هي التي تلقي نظرة خاطفة على (هارلم هي اللامكان) وظهور رودس – بتس لأول مرة الحماسي والحاذق وبصيرة مضيئة في زمنها كمقيمة ومؤرخة إخبارية غير رسمية لهارلم المعاصرة. انه مكان تحصل هي على حق الوصول إليه عن طريق تعلم تأويل الإيماءات البارعة والإصغاء لأجل الرسائل البغيضة وإدعاء دور الشاهد مع كل مسؤولياته ومخاطره المتأصلة. ومن بين موكب الأسلاف الأدبيين الحاضرة هم لانغستون هيوز وجيمس ويلدون جونسن ورالف إليسن وجيمس بالدوين، كتــّـاب أفادت توصيفاتهم للحي، من بعض النواحي في" إستحداث" هارلم : لتصنيفه في الخيال الاجتماعي والثقافي ولتحديد أهدافه وتعيين عيوبه وإعطاء صوت لوجوهه البشرية الكثيرة. وبعد وصولها إلى هارلم قادمة ً من تكساس (وعن طريق هارفارد) تستحضر رودس – بتس هذه الشخصيات المألوفة كرفاق في بحثها عن نقطة دخول حي إلى مكان قد عرفته قبل كل شيء من خلال تمثيلات ساكنة والكلمة المطبوعة، والكتاب الناتج – إلى حد ما هو تاريخ بتسلسل زمني لمتاهتها المفرطة من خلال تاريخ هارلم المؤرشــف، والى حد ما هو سجل للقاءات بعيدة الاحتمال اليومية مع رجال ونساء على نواصي شوارع الحي وفي المكتبات العامة وفي اجتماعات دار البلدية والمواكب والجنائز – يطلب (الكتاب) من القارئ أن يولي اهتماماً إلى ما يكون سؤالاً مقلـِـقاً بشكل متزايد وهو : كم من مدينة الملاذ الأسطورية تلك ما يزال موجوداً والى متى سيستمر؟ يعلـّـمك أي كتاب جيد كيفية قراءته، و(هارلم هو اللامكان) يفتتح بعدد مدهش من مقاطع مطبوعة بحروف مائلة موشاة، مع أدنى حد من التوضيح، (موشاة) بوصف المؤلـّفة لتجاربها اليومية، وتدريجياً يصل القارئ إلى تقبل أن هذه المقتطفات مستلــّـة من بدن الأدب والتاريخ والتي هي – بالنسبة لمـُـحـِـبــة للكتب مثل رودس – بتس ملازمة لتجربة هارلم المادية المعاصرة - وهي كمثل"دبيب" في أسفل شاشة أخبار التلفاز او التسجيل الصوتي لفيلم مصحوب بمقطع رودس- بتس الآني على طول شبكة شوارع المدينة التي عـُـرفـَـت في ما مضى بـ"عاصمة أمريكا السوداء". وكمثل جوان ديديون، أحدى الشخصيات الأصلية الأدبية غير المسماة ولكن المحسوسة بوضوح، قد أتقنت رودس – بتس فن الإصغاء وهي تنزع نفسها كعقبة لعدد من التواريخ الصريحة – قصص لا تضيف تماماً إلى حوادث ذات أهمية إخبارية ولكنها تنفع كعلامة لأحداث يومية ينطلق منها تاريخ عام - وحركة على مقياس الهجرة العظيمة تكون مليئة بنساء لا يحصين شبيهات بجارة رودس – بتس الآنسة بيسي التي غادرت سكوتلاند نيك في شمال كارولينا إلى نيويورك في سن التاسعة عشرة حيث عثرت على عمل كمدبرة منزل في أعلى الجانب الشرقي، كما إنها تغص برجال كأحد معارفها مونرو الذي ما يزال يستيقظ من كوابيس حقول القطن المبتلاة بخنفساء القطن والذي ينسج حكايات عن بلدات على طول نهر المسيسبي حيث يقيم السود"جنباً إلى جنب كشحارير محتشدة"، ومثل هذه القصص تذكـِّـر القارئ بأن كل تغير اجتماعي زلزالي ينشأ في مطبخ أحدهم أو غرفة معيشته مع قرار بالتوقف عن فعل أمر ما كان قد بدا مؤخراً فقط انه طبيعي بشكل ممتاز او تقبل ضرورة إجراء كان قد بدا مستحيلاً بل وغير وارد. كل من الأشخاص الحقيقيين منح مقالاً معاد النشر عابراً في هذا الكتاب ينفع كذلك لإحداث فيلم في تجاهل قادمين جدد إلى الحي معينين والذين تكشف تعليقاتهم الفظة ("هذا (المكان) خرافي (.. لكن توجد) حاجة ليكون هناك أناس أكثر!") (تكشف) عجزاً أساسياً عن رؤية ساكني هارلم السود طويلي الأمد كنظراء بشريين حقيقيين، وكشاهد على هذه القصص تدخل رودس – بتس في دور المؤرشـِـف وهي توثق تاريخاً قد سعت العنصرية والإخفاء –الميراثان التوأمان للرق في أمريكا- إلى محوها. وعندما لا يكون لديها حوارات مع غرباء في المتنزه او الحي عن تنازلها وحينما لا تكون مستغرقة في قراءة الأرشيف تبدو رودس – بتس انها تحضر الكثير جداً من اجتماعات دار البلدية وتستمع الى التهديدات المختلفة المطروحة على هارلم السوداء عن طريق إعادة تقسيم تطوير المدينة، وهي تكتب" كل الأمور تتحدر الى مرحلة تتصف بالبساطة بقدر اتصافها بالفظاعة. إنها حقيقة تـُـطبــِـق على نفسها كالأفعى الأسطورية التي تلتهم ذيلها : فهذه أرضنا التي لا نملكها". وفي محاولتها، إلى جانب مواطنين م
قبيلة أميركا السوداء
نشر في: 19 سبتمبر, 2011: 05:37 م