ياسين طه حافظ في المدى، وفي القسم الثقافي، استرسل الشاعر والمثقف الموسوعي ياسين طه حافظ في حديث عراقي حميم في الثقافة والسياسة والأحزاب، مالها وما عليها.. تحدث عن أخطاء الماضي ومقتضيات المصلحة الوطنية اليوم. اتسم الحديث بالروح الوطنية وبالاحترام للأحزاب وأفكارها.. قال في بداية حديثة:
اعتدت على النظر إلى نقاط الضوء، إلى ما هو جميل في الناس والحياة ولا خلاف مع الأفكار، الخلاف مع أساليب العمل والسلوك في التطبيق. وهذه مسألة تحضّر أكثـر مما هي فكرية.. وما دام مسعى غيرنا لخير الوطن وسعادة شعبه، وجب علينا احترامه. ما اهتم به هو جمع الطاقات والأفكار في اتجاه واحد لتحقيق مستقبل أفضل للناس والبلاد...""ثقافة المدى" تنشر هذا الحديث كاملاً في حلقات، على أن تعقبه طاولات مستديرة لمناقشة هذا الموضوع من قبل المعنيين بالشأن الثقافي في العراق.■ المدى الثقافي فقراء الشعب طرائد سهلة للأحزاب والتجمعات بوسائل إغراء معروفة: بعض المال، إيجاد فرص عمل، وعود بفوائد قادمة.. قادة هذه الأحزاب يفسدون بذلك التربية الطبيعية ويحدثون اختراقات في السلوك العام للناس وتحويل الأهداف السياسية المعلنة إلى لافتات مكررة مألوفة لم يعد الناس معنيين بما وراءها قدر عنايتهم بالجدوى القريبة مهما صغرت. يشكل بعض القياديين ما يشبه "اللوبي" المصغر، لضمان الفرز أو المنافع. شعارات في تبني الديموقراطية وحرية الفرد، لكن شاهد النقض هو عدد الذين يُقتلون يوميا، ويستغلون يومياً وتطور أساليب القتل وأدواته. وتزايد أساليب الاستغلال وأدواته. وتزايد المقولات المنمطة وتكرارها الإنشاء في البيانات أكثر من الافكار.وفي حال كهذه تظل الثقافة في حال من التوفيقية أو الانشغال في حقول بعيدة عن هذا الاشتباك الذي لا يبدو مجديا وتتجنب نتائجه. ما تزال الثقافة تؤدي خدمات مكتبية وإعلامية، أي أنها في حالة افتقاد المعنى الأبعد. مهما يكن تمنيت أن يكون الخلاف لا على النضال الوطني نفسه ولكن على أساليب العمل. أن يكون لكل نضاله وله انتقاده العملي والاجتماعي. عندئذ سيكون التيار الوطني غنيا وقويا بمحصلة النضالات. لا أريد بهذا التأكيد على الحركة بدلا من النظرية، ولكن أن نولي الحركة الاهتمام الأول قبل أن تحاصر الجماهير. دعوا الانتقادات الصغيرة، من قال إن الشيوعيين راضون تماما عن عملهم ولا يشعرون بأنهم ارتكبوا أخطاء أو فاتتهم فرص؟ ومن قال إن البعثيين- والتأكيد هنا على العقائديين- ما كانوا يشعرون بالانحراف عن الشعار وإنهم مكنوا من يصادر حزبهم وشعاراته؟ ومن قال إن الاشتراكيين العرب لم يدركوا لعبة عبد الناصر في الاتحاد الاشتراكي ومراوغته على الاتحاد الاشتراكي ومفهوم الاشتراكية؟ الجميع يعيشون في الأدغال. لكن المهم أن يمشوا أطول مسافة وطنية ممكنة. وكلما توفر احترام "للنضالات" الوطنية والقومية والدينية، قطعنا مسافة أطول. الخطورة في أن يشغلنا الاشتباك عن التقدم المشترك. الوطني هو الأهم. وللمراحل النضالية أحكامها. أعتقد أن الجميع، مثقفون أو مناضلون، أفرادا وأحزابا، بحاجة إلى المراجعة في ضوء المصلحة الوطنية. التطوير مهم والنقد الذاتي مهم أيضاً.أعتقد بأن الماركسية ما عادت للعامل أو الفلاح وحدهما. هي الآن عمليا، للمثقفين الديموقراطيين اكثر مما لسواهم! الفلسفة ملك المثقفين والحصاد للجميع. والحركات الإسلامية تشهد غنى في مضمونها، والنبض الوطني يتضح أكثر وهذا مفرح. رفع الظلم عن الجماهير أو عن الأمة شعار عظيم مُرَحَّب به في كل الساحات النضالية. أعتقد بأن التحولات في البلدان العربية ستتطور لإحداث فكر إنساني- وطني جديد وباتجاه لا يخلو من ملامح أو رغبة باشتراكية.الوطن، الشعب، المستقبل، مشتركات تزداد وضوحا! وأظن تيارا كبيرا يتكون ولن ينفصل عن حركة التقدم في العالم. دعونا من أخطاء الماضي، لنمارس نقدنا الذاتي ونواصل النضال "السياسي – الحضاري" هذه المرة. بالممارسة السياسية - الحضارية الجديدة نكون قد أعدنا الشمل ووضعنا الجميع على الطريق مرة أخرى. الآفاق الدينية اتسعت وازدادت عمقا ثقافيا والحركات القومية لم تعد بنزعاتها الشوفينية مع التطورات الحضارية والكشوفات المعرفية. ولم يعد النضال الشعبي مرتبطا أو مؤسسا على الحركة الطبقية العمالية وحدها، حركات كثيرة، عمالية، نسوية، حركات مجتمع مدني، وطموحات ثقافية، كلها تعمل وتحمل المضمون الاشتراكي أو المساواتي. هذا اتساع أفق وغنى للحركة الوطنية بعامة ولمفهوم أو محتوى النضال الوطني لاكتمال الحرية والعدالة الاجتماعية. يظل الوطن جامعاً مؤتمناً لمصالح الجماهير على اختلاف أفكارهم وليس عيباً بعد هذا أن تغير الأحزاب شعاراتها القديمة لتتبنى شعارات وطنية ومصلحية أكثر تقارباً وأكثر حداثة... ما أتذكره إن مفكرين من حزب البعث في سوريا ناقشوا في نهاية الخمسينيات أو بداية الستينيات مسألة تغيير الشعارات. وما أوقفهم هو الانشقاق والتنافس على كسب الأسماء المهمة وبداية الانحراف فأرجىء الموضوع. قبل هذا شخّص البيان الشيوعي التيارات الاشتراكية الأخرى كحركات طبقية معينة ناتجة عن أوضاع معينة. حسنا، هذه مرونة فكرية عالية
حـــــزن الــثــقــافـــــة الـمـــريـــــر
نشر في: 19 سبتمبر, 2011: 05:46 م