TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ضحايا الموت المعلن فـي السياسة.. هادي المهدي والآخرون

ضحايا الموت المعلن فـي السياسة.. هادي المهدي والآخرون

نشر في: 20 سبتمبر, 2011: 07:31 م

علي حسن الفواز يبدو أن الأداء السياسي للكثير من فرقاء السياسة العراقية تحول إلى شكل غرائبي صاخب ومثير لشهوات العنف والأصوات العالية، وربما لصناعة العديد من الضحايا الذين كانوا يعيشون تراجيديا السياسة بوصفها تطهيرا، ورسالة مباركة لإنقاذ الإنسان من طغيان أخيه الإنسان..
لعبة السياسة باتت الأكثر قربا من مفهوم التعسكر، وأحيانا تتحول إلى ما يجعلها الاكثر دافعية لامتلاك الاستعدادات والنوايا  للتمرد على أي سياق وطني جامع. ولعل مايحدث الآن على سطح هذه السياسة من تجاذبات وتهديدات وتقاطعات يعكس اضطراب نظرها إلى  الواقع المأزوم، والى ما يفجّر الكثير من تداعياته وجوانياته، مثلما تضعنا شروط اللعبة أمام نوع من القلق السياسي المريب، القلق المفتوح على اطمئناننا، وعلى يوميات خطابنا السياسي المربك والباحث عن حلول عجولة، وعلى لحظتنا الوطنية المحررة من زمان سرديات الأوهام الكبرى، والداخلة في سرديات مضادة لم نعرف بعد شفراتها وطرق التعاطي مع مخيالها وسرائرها..أزمة هذا الأداء السياسي بدأت تنعكس على كل شيء، بدءا من الشارع، وهموم الناس، وتعقيدات المشهد الأمني، و توزيع الوظائف والأدوار، ولاتنتهي عند الخوف على حيوات الناس الذين يواجهون محنة الأزمة السياسية من خلال تصعيد عبثية الموت الذي تصنعه المجاميع الإرهابية و(مشعلو الحرائق)إذ أضحت مظاهر الأزمة مكشوفة على غابة من الازمات، وعلى متاهة مريبة يصطنع لها البعض من سياسيي الأزمة توصيفات وخرائط وإشكالا تهدد الاطمئنان الوطني بـ(الويل والثبور وعظائم الأمور) والأغرب من ذلك، إن سياسيي الأزمة ينظرون للواقع السياسي وكأنه إقطاعيات خاصة، وان تهديدها يضع الواقع والناس-سكان هذه الإقطاعيات- أمام لعبة الفقدان والتخلي، وربما لعبة مواجهة أخطار أكثر رعبا وأكثر إثارة للفزع والغلو في النظر إلى افق المتاهة.. والمجاهرة بالرصاص الكاتم او الفاضح للصوت، والتحريض بالمقابل على الاستغراق بالمزيد من الصمت، الصمت الذيبالأمس قتل المخرج المسرحي هادي المهدي بطريقة مثيرة للخوف، إذ اغتالته قوة سوداء لاشأن لها سوى إشاعة الموت، يشبه الموت أحيانا. قد يقول قائل ما علاقة اغتيال هادي المهدي بالأزمة السياسية، وهل كان المهدي أحد الفرقاء السياسيين المثيرين للجدل أم انه كان رجل مظاهرات واحتجاجات كفلها الدستور والقانون والحق المدني؟ هذا السؤال المريب والإشكالي يضعنا في صلب المواجهة، لان (الموت المعلن)للمهدي كان وجها مقنعا للفوضى السياسية التي ترش غبارها على كل الجهات، وربما لمزيد من خلط الأوراق، إذ  بات هذا الغبار خانقا وملوثا، وباعثا على إصابة الجسد والمكان واللغة بنوع من الهوس والرهاب والإباحة القهرية التي يمكن أن تصنع المزيد من المقابر الوطنية والثقافية، مثلما كان موته صورة للوجه الإنسي للازمة التي يعلو فيها- وعلى رؤوس الأشهاد- صوت الرصاص ويهبط صوت الإنسان، إذ يختلط الأسود والأبيض، وكل الثنائيات المفارقة، تلك التي قد يعيدنا اصطدامها الفجائعي إلى لعبة الرعب والخوف والعبث السوداوي، والى اجتهادات فقهاء القتل المجاني والتكفير الأيديولوجي والعقائدي. إزاء هذه المحنة التي تكبر مثل جرح نازف، لاأملك إلا أن أعيد قراءة ملفاتها المفتوحة على فواجع محنتنا اليومية، والنبش في عوالمها الجوانية الغائرة، وتلمّس سرائرها السياسية والأمنية والثقافية، والتي تجد لها-على وفق التصميم- أبطالا ووعاظا وفقهاء ومثيري شغب، والذين يشهرون كل الأسلحة ودونما ارتياب أو خشية أو خجل، حتى باتت بعض صور الأداء السياسي في هذا السياق المعلن، وكأنها فتوى بالقتل، قتل لكل الذين يتحدثون بأصوات عالية كما كان يجاهر هادي المهدي، ولكل الذين انحاوزا إلى الصمت النبيل كما فعل سابقا كامل شياع الذي اغتاله ذات الرصاص وذات الفكر وذات حاملي أقنعة المحنة..أزمة السياسي تحولت إلى أزمة عمومية، وأزمة تمسّ الأخلاق وتمس القيم، وتمسّ الانتماء أيضا، لان البحث عن حلول حقيقية لمحنة البلاد، لاتعني تحويلها الى(حائط للبنادق) ولاتعني تحويل الناس الى(كائنات مختبر)ولا تعني أيضا إباحة التعبير عن فقه الموت دونما الحديث عن فقه أكثر نبلا للحياة. وهذا ما يدفعني للدعوة الى ضرورة شرعنة فقه الحياة، والدعوة بشكل استثنائي للسياسيين المأزومين والباحثين عن حروب وحرائق جديدة، لان يراجعوا ملفاتهم الشخصية، وحتى أوراقهم الثبوتية ليتيقنوا ان هذه الطرق لاتؤدي الى الحرير أبدا، ولاتقود اصحابها الى الكنوز مهما غلت واتسعت يومياتهم، اذ انها ستضعهم عند حافات حادة من الصعب الاطمئنان الى السكنى فيها.. انها دعوة لتحسين الاداء السياسي، والوعي السياسي، وتعديل زاوية النظر كما يقول السرديون الى غابة السياسة المكتظة بالاوهام أكثر من اكتظاظها بالأشباح. واحسب ان هذه الزاوية المقترحة ستكون هي الجغرافيا الاكثر اطمئنانا، مثلما ستكون ايضا صانعة الرؤية الواضحة التي ستجعل الجميع يرون أحجامهم الحقيقية وليست المضللة، ليعرفوا أن صناعة المواقف الواقعية إزاء الأخطار، هي الأكثر جدّية في مواجهة استحقاقات المستقبل، مثلما ستكون صناعة الأصدقاء والأصحاب هي أكثر قدسية وسمواً من صناعة الأعداء..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram