عبد الخالق كيطانيزدحم شارع المتنبي وسوق السراي هذه الأيام بأرباب العوائل الذين يقصدون المكان لشراء القرطاسية واللوازم المدرسية لأبنائهم وبناتهم مع اقتراب بداية الموسم الدراسي الجديد. وبالرغم من الصبغة الذكورية العامة للمكان إلا أنه في مثل هذه الأيام يصير سوقاً عائلياً بامتياز، حيث ترى عوائل كاملة وهي تتسوق. وفي اعتقادي أن في ذلك ميزة مضافة تتلخص بتدريب عوائلنا على رؤية أسواق الكتب وكذلك تدريب الأولاد على محبة الكتاب.
إلا أن ما يخرّب فرحة العوائل في هذه الأيام هو ذلك الارتفاع الكبير في أسواق القرطاسية واللوازم المدرسية والكتب المنهجية، ممّا يثقل كاهل الأسر بمصاريف إضافية غير مصاريف شراء ملابس جديدة مناسبة للموسم. المواطنون يلقون اللوم في هذا الارتفاع على وزارة التربية، الجهة المسؤولة عن توزيع القرطاسية والكتب المنهجية للطلاب على اعتبار أن العراق ما زال يعيش في زمن مجانية التعليم، وهنالك دائرة متخصصة في الوزارة مهمتها طبع الكتب المنهجية وتوزيعها، وتوزيع الدفاتر المدرسية واللوازم الأخرى للطلبة مجاناً. والوزارة تقوم بالفعل بهذه المهام، إلا أنها تتأخر في العادة بتوزيع تلك اللوازم للطلبة ما يضطر ذووهم إلى شرائها من السوق. وفي كل الأحوال فالمسألة ليست معقدة إلى هذا الحدّ بحيث تصبح مشكلة موسمية تعاني منها شرائح واسعة مع بداية كل موسم دراسي. علينا أن نتخيّل ربّ أسرة ينبغي عليه أن يشتري كل تلك اللوازم لعدد من الأبناء يصل إلى خمسة أو ستة. من المؤكد أن ذلك يشكل ميزانية مستقلة بحدّ ذاته.لمّا كنّا صغاراً كانت الدفاتر والأقلام والكتب الجديدة تمثّل لنا فرحة ما بعدها فرحة. وكان أغلبنا يسارع إلى شراء ورق تغليف خاص لكي نحافظ عليها من الاستعمال اليومي الذي يؤدي إلى التلف. وكان آباؤنا أو أمهاتنا أو أخوتنا الكبار يساعدوننا في خطّ أسمائنا على مكانات مخصصة في تلك الكتب والدفاتر، وإذا لم تكن تلك المكانات موجودة نسارع إلى شرائها من السوق. رائحة اللوازم المدرسية تحمل نكهة خالصة ومحبّبة. لقد عشنا زمن مجانية التعليم، وعشنا أيضاً في أعوام دراسية كانت المدارس توزع فيها وجبة افطار يومية خفيفة تتضمن الجبن والحليب والصمون الكهربائي. وفي أعوام أخرى استلمت من إدارة المدرسة، ضمن طابور طويل من التلاميذ، بعض الملابس الجديدة التي كانت تخصّص للتلاميذ من العوائل الفقيرة. لمّا كنّا صغاراً كان العراق قد تحصّل على أموال كبيرة من ارتفاع أسعار النفط منتصف السبعينيات، والعراق اليوم يتحصّل على أموال كبيرة حقاً. فالأرقام التي نسمع المسؤولين يتداولونها تشيب لها الولدان، ولكن المؤسف أن المواطن لا يلمس أثراً لإنفاق تلك الأموال. ومن الممكن أن تكون وزارة التربية الجهة الأبرز التي تنفق فيها أموال العراق المستحصلة من إيرادات النفط. فهذه الوزارة بالغة الأهمية كونها تتعامل مع أجيال المستقبل. ولو وفرنا لهذه الأجيال مستلزمات دراسية وتغذية مناسبة فإننا نكون قد وضعنا بالفعل اللبنات الأساسية لبناء مستقبل واعد. أما وأن أغلب أرباب العوائل اليوم ما انفكوا يبحثون عن الطريقة المثلى لتأمين أقلام أولادهم ودفاترهم، فأننا، والحالة هذه، ندفعهم دفعاً إلى اعتبار المدارس مجرد حاجة فائضة لا تجلب لهم غير الخسارة!
عين: أقــــلام وأولاد
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 21 سبتمبر, 2011: 08:17 م