ابتسام عبد اللهنعتقد جميعاً أننا نفهم السريالية. إنه خيال، وهو وضع شيء بجانب شيء آخر بشكل موهم بالتناقض، إنه الوصول إلى اللاوعي لسلسة من الأحلام والتخيلات. لقد غدت السريالية لغة مرئية للتجارة وللفن على حد سواء،ومن الصعب جداً فهم القرن الأخير من دونه. ومع ذلك فإن شعبية هذا الفن جعلتنا ننسى الهدف الحقيقي وراء عمل الفنانين والشعراء في هذا المجال، وما الذي كانوا يبغون انجازه. وفي مجال الانجاز لا نجد من يتفوق على الرسام السريالي الكبير رينيه ماغريت.
فإن رسوماته عن الغيوم والقبعات والمطر الذي يتساقط من السماء وقطراته من البشر، قد أصبحت رموزاً شهيرة جداً للحركة السريالية وجزءاً من الفن الشعبي. ومع ذلك فإن هدف ماغريت قد ضاع مع انتشار أعماله، وهو الذي أرادنا أن ننظر إلى الأشكال عبر ابسط الأشياء،فإن غايته تلك أصبحت غامضة بسبب نجاحها. وتقيم قاعة تيت-ليفربول في انكلترا حالياً أوسع معرض لأعمال رينيه ماغريت، يعتبر الأضخم للوحاته حتى الآن-مئات اللوحات، تخطيطات ونماذج من الأعمال التجارية التي استوحت أعماله،مضافاً إلى ذلك أفلام مصورة في منزله وعدد من منحوتاته. إن الأشياء الظاهرة للعيان تخفي أشياء أخرى ظاهرة. إن الطبيعة قد تكون قماشة معدّة للرسم، وربما بدورها تخفي وراءها شيئاً مجهولاً. هكذا كان ماغريت ورفاقه السرياليون، يتلاعبون مع الحقيقة والوهم في محاولة لكسر تصوراتك عن صلابة الأشياء وأيضاً، فيها يحظى مارغيت، إيقاظ أحاسيس غموض الأشياء والأفكار.إن ما يميز السريالية هو المزاج والرغبة إلى إثارة الدهشة عبر الهزل. ومن بين كافة الحركات الفنية كانت الأكثر فكرية وإطناباً في الكلام. وكان من نتاجها شعراء وفلاسفة وفنانون،يناقشون على الدوام معنى اللامعنى للوجود.لقد انفصل ماغريت عن اندريه بريتون، الذي عيّن نفسه قائداً للحركة السريالية. وفي خلال الاحتلال النازي، عاش ماغريت في بروكسل، وقدّم صورة متناقضة عن وضعه،صورة برجوازية عن نفسه:زواج سعيد،بيت في أفضل أحياء المدينة والرسم ليس محترفاً خاصاً به بل في ركن من غرفة الجلوس أو الطعام. وعلى الرغم من ذلك فقد عاش طوال حياته يهدّم القيم البرجوازية والبرجوازيين. وقد عاش ماغريت جزءاً من حياته معتمداً على مورده من رسم ورق الجدران أو رسم قائمة معاطف الفراء، وجراء ذلك عبّر كثيراً عن احتقاره لماضيه، كرسام تجاري، مبدياً ازدراءه لمبادئهم.ومن بين جميع الرسامين، كان ماغريت الأقرب إلى الحركة الفنية في بلجيكا، وواحداً من مؤسسيها عام 1926، متواصلاً معها حتى وفاته عام 1967، وعلى الرغم من ذلك كان متوحداً كرسام، بعيداً عن الحركة السريالية في باريس، تلك الحركة التي ضمت سفادور دالي، خوان ميرو، أندريه ماسون وأيف تانغوي. رسامون جاءوا إلى باريس من شتى أرجاء أوروبا وعلى الأخص اسبانيا، وعاشوا تحت حماية بريتون. أما ماغريت، فقد عاش هناك ثلاثة أعوام ما بين 1927-1930-أي بداية الحركة السريالية.كان ماغريت صبياً عندما احتل الألمان بلاده في المرة الأولى، وفي الأربعينيات من عمره في المرّة الثانية. وبقي هذا الفنان على الدوام وفياً لوطنه وأصدقائه.ومن العوامل المؤثرة على فن ماغريت، انتحار والدته غرقاً، والعديد من لوحاته تحمل أصداء ذلك العمل.وقال ماغريت يوماً:"لقد أردت التحرر من كل شيء وقد اقترب في بادئ الأمر من التكعيبية وتجارب براك وبيكاسو في النظر إلى الأشياء(من الداخل إلى الخارج)، ثم اقترب بعدئذ من الدادائية وحرية الشكل، ثم سار في طريقه الخاص لخلق انطباع للازمن والغموض، ليغدو مختلفاً ومتميزاً عن غيره: إحساس بالشك ينفتح للدهشة ، والدهشة تنفتح على الشك. وقد يكون غامضاً، مختلفاً عن السرياليين الآخرين، فهو لا يسرد عليك شيئاً ما، ولكنه يقودك خارجها نحو رؤية أكثر حرية. وقال يوماً:"علينا ألا نخشى ضوء النهار لأنه غالباً ما ينير عالما بائساً"، وهذا هو الأمر الذي يمنح صلته الوثيقة بالحاضر.■ عن/ الغادريان
دخان ومرايا.. حياة وأعمال الرسام رينيه ماغريت
نشر في: 23 سبتمبر, 2011: 08:16 م