عبد الخالق كيطانيبدو أن قصة السجون في العراق مرشحة لأن تكون مسلسل فساد مستمر، فبعد أن شهدنا عدداً من الحوادث التي يهرب فيها سجناء بطرق تشبه أفلام الحركة نصل اليوم إلى قصة التماس الكهربائي في سجن البلديات، هذه القصة التي اختلف الرواة في تبيان حقيقتها وأسبابها.
المواطنون يتداولون قصصاً غريبة حقاً، بل وصعبة التصديق أحياناً بخصوص قصص الهروبات المتكررة، فنحن لا نتوقع، على سبيل معطيات الواقع على أيّ حال، أن تنجح مجموعة من السجناء بحفر نفق طويل يمرّ تحت السجن وزنزاناته ليصل إلى مناطق بعيدة يكون فيها السجناء أحراراً، كما أن عقولنا الصغيرة، لا تصدّق أن يشتبك سجناء عزل، من المفترض أنهم إرهابيون، ومسجونون في زنازين خاصة ومحصّنة بسبب خطورة هؤلاء السجناء، مع جنود الحراسة المدجّجين بالأسلحة من كل الأنواع الخفيفة، ولا يكتفون بقتل هؤلاء الحراس، بل والنزول إلى ساحات السجون، بعد أن يكونوا قد تخلّصوا من زنزاناتهم التي قلنا أنها محصّنة، والاشتباك من جديد مع حراس السجون الخارجيين، ونعني أولئك الذين ينتشرون على أبراج المراقبة وأسوار السجون، ليفروا بعد ذلك بمنتهى السهولة إلى مدن الحلة والموصل والبصرة.. علماً أن حراس أبراج المراقبة هؤلاء يستخدمون عادة أسلحة أكبر من تلك التي يستخدمها أقرانهم داخل السجن.مثل هذه القصص يستطيع أن ينسجها خيال مواطن يائس، ولا ينبغي أن نذهب أبعد من ذلك، لأن الحقائق على أرض الواقع تقول أن قصص الهروب المكررة من السجون العراقية تكشف واحداً من احتمالين لا أكثر، الأول أن يكون بعض العاملين في السجن الفلاني متواطئين مع السجناء لسبب أو لآخر (المال، العقدة الطائفية، المصالح، العشائرية... ألخ)، والاحتمال الثاني أن تكون قواتنا الأمنية وعسكرنا بمجمله لم يصل بعد إلى المستوى الذي يؤهله أن يحمي بناية تضمّ بعض السجناء الخطرين، وما بين الاحتمالين مسافة قصيرة من الخراب والأذى.أما قصة سجن البلديات فهو حلقة في المسلسل ذاته إذا ما أخذنا بالرواية التي تقول أن السجناء دبروا موضوع الحريق كي يخلقوا فجوة في الحراسات المشدّدة على السجن وبالتالي اختراقها للهروب. وما يعزّز هذه الرواية هو ذلك النزاع المسلح الذي جرى بين عناصر الأمن والسجناء والذي أدى إلى مقتل عدد من الجانبين. هذه الرواية نفاها النائب بهاء الأعرجي في مؤتمره الصحفي الذي عقد بعد العملية، وشدد على أن الموضوع عبارة عن تماس كهربائي، وأن عناصر الأمن تعاملوا بقسوة مع السجناء الذين كانوا يحاولون الخروج من المحرقة التي اندلعت لا أكثر ولا أقل. المؤلم في رواية الأعرجي في قوله: ان اثنين من السجناء اللذين قتلا في الحادث كان قاضي التحقيق قد اصدر قراراً بتبرئتهما منذ اسبوعين، إلا ان ادارة السجن لم تطلق سراحهما، مبيناً: "ان الفساد ينخر دائرة الاصلاح التي تعطّلت في اطلاق سراح هذين السجينين بسبب طلب المال منهما"على حدّ تعبيره.وفي كلّ الأحوال، وبعيداً عن قصص الخرافة في موضوع السجون العراقية، فإن استمرار الحال على ما هو عليه يكشف عن مشكلة كبيرة، خاصة بسبب المصاهرة المعلنة بين السجون وتحقيق العدالة، فماذا سنفعل لفكّ الشبهات في هذا الملف؟
عين: حريق سجن البلديات
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 23 سبتمبر, 2011: 09:05 م