شاكر الانباريمنذ بضع سنوات والمواطن يسمع بملفات سرية حول أكثر من جانب في الحياة، كالفساد الإداري والعقود الوهمية والسرقات والاغتيالات ودعم الإرهاب والميليشيات وغير ذلك من ملفات. في كل أزمة سياسية ومنعطف حكومي يتصاعد اللغط حول وجود تلك الملفات. وهي ملفات لا تمتلكها الحكومة فقط، أو حزب بعينه، بل ان معظم القوى السياسية تدّعي وجود ملفات من ذلك النوع، وأحيانا يهدد بها حتى أعضاء مستقلون في البرلمان،
أو هيئات نزاهة وتفتيش ورقابة، ليخال المرء ان ثمة مخزنا ضخما يمتلئ بأسماء، وأرقام، واعترافات، وروائح نفط، وبقايا دماء تتضخم يوما بعد آخر كلما توغلت في طريق التفسخ. وعلى افتراض ان الأمر حقيقة، وليس أسطورة، فما هو السبب وراء التكتم على تلك الملفات وإحاطتها بتلك السرية المفرطة؟ يفترض ان من يملك الملفات جهة رسمية، اي بمعنى آخر مؤسسة من مؤسسات الدولة. فإعداد الملف حول أية قضية يتطلب وجود حادث بعينه، ثم يتم التحقيق حوله، بعدها تنجز التحليلات، والاستنتاجات، لكي يتبلور بعد كل ذلك ملف يعتبر من اسرار الدولة. يبت فيه بأقصى سرعة قضاء حر، ونزيه، ومحايد، ومهني. آلية انجاز ملف ليست بالأمر السهل، وهي آلية مؤسساتية، لا ينفذها شخص او حزب. لكن ما موجود في الساحة هو ان الملفات لا تقتصر على الدولة او السلطة الحاكمة، فأغلب القوى السياسية المشتركة في الحكومة والبرلمان تقول بوجود ملفات لديها. والسؤال هل يمتلك كل حزب عراقي او تحالف او حركة أجهزةً أمنية، قضائية، متخصصة بإعداد ملفات من ذلك النوع؟ واذا امتلكت كيف يسمح لها القانون بالتقصي عن الحقيقة، والمعلومة، والاستجواب، للوصول الى نقطة الإحاطة الكاملة بالقضية؟ ثم ما الجدوى أصلا من انشاء الملف اذا لم يكن الهدف من ورائه تقديمه الى القضاء؟ اسئلة لا ترتفع امام الصحافي، والمسؤول، والسياسي فقط، بل امام ذهن المواطنين المتسمرين كل ليلة امام الشاشات لمتابعة الشأن العام، وهم يسمعون عن امر تلك الملفات الغامضة التي يمتلكها الجميع ضد الجميع. وما دام الجميع لم يسمع حتى الآن بفتح ملفات حقيقية، وذات وزن ومصداقية حول الفساد الإداري، والمالي، والسياسي، والارهابي، امام القضاء، فالسؤال الآخر هو: لم تعدّ تلك الملفات اذن؟ هناك جواب واحد مقنع للمواطن البسيط هو: ان تلك الملفات تجهز للابتزاز لا غير. من يمتلك ملفا حول حزب، او مؤسسة، او شخص متنفذ، يمكنه بسهولة ابتزازه. والابتزاز له اشكال عديدة كالتنازل عن رأي سياسي والسكوت عن حق، أو التأييد الأعمى، أو الانشقاق عن كتلة والالتحاق بكتلة أخرى. وفي اسهل الأحوال من اجل دفع الآخر لمغادرة العراق بلا رجعة. وأبشع انواع الابتزاز هو المقايضة، حين يرفع ملف، او ملفات فساد، في وجه مسؤول، او حركة، او حزب، لمقايضته بغلق ملفات الطرف الآخر، وعدم التحدث بها. وهذا ما يجري لدينا في العراق الجديد، بعد ان ارتقت أساليب المقايضة من الأشخاص، والحركات، والأحزاب، لترسو على ساحل الطوائف، والقوميات، والأديان.
كلمات عارية: أسطورة الملفات
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 23 سبتمبر, 2011: 09:31 م