TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > التسلية الفنية فـي قنوات عراقية: جمهرة من الغجريات و"بذاءات" من كلّ نوع

التسلية الفنية فـي قنوات عراقية: جمهرة من الغجريات و"بذاءات" من كلّ نوع

نشر في: 24 سبتمبر, 2011: 07:31 م

علي عبد الأمير عجام ما أن انتهى شهر رمضان، حتى انقضّت قنوات فضائية عراقية على مشاهديها بحشد راقص من غجريات، تختلط في أجسادهن المهتزة، ملامح البذاءة مع إيقاعات وغناء موسيقي اقل ما يقال عنه: هابط، فضلا عن أحاديث مثيرة للملل مع ممثلين وممثلات ممن أدوا أدوارا في المسلسلات
أو البرامج التي أنتجتها تلك القنوات، وشعراء شعبيين، ومطربين يبثون أشواقهم للوطن، دون أن ينسى الجميع تكرار الحديث عن "الوحدة الوطنية". هذه ليست توليفة برامج منوعات الفضائيات العراقية في العيد بل هي توجز مفهوم تلك القنوات عن التسلية والمنوعات، التي لايتردد احد مقدمي برامجها عن وصف مطرب من موجة الابتذال الغنائي العراقي بأنه: الفنان الفنان..الفنان الإنسان" في تقديمه المطرب علي العيساوي، وهو ما فعله مقدم برنامج منوعات في قناة "الرشيد" خلال رمضان، فلا تكتفي القنوات، والحال هذه، بان تجعل الهبوط الذوقي سمة مادتها للمنوعات، بل تطلق أحكاما فخمة على ممثلي الفنون الهابطة، أو تقدم صورة شديدة الابتذال عن مفهوم "المرأة المتحررة"، فالعراقية التي تحاول الخروج من اشتراطات الثقافة المحافظة التي تقسر إنسانيتها، بحسب تلك الصورة المتلفزة، بالكاد هي الراقصة في نوادي الليل، أو هي من فئة الباحثات عن أوقات سهرة تبدأ من الغناء ولا تنتهي بالرقص المبتذل. هذه كانت صورة عراقيات في برنامج " سبايكي" المنوع الذي كانت تقدمه قناة "السومرية" في توقيت غريب، فهو كان يعرض بعد دقائق من موعد الإفطار، لتأتي وجبة الراقصات فضلا عن صورة العائلة (محور البرنامج) في مواقفها الاجتماعية اليومية وحوارات أطرافها، كأنها وجبة تسمم البدن والروح، ليس عند الصائم وحسب، بل عند كل إنسان بحد أدنى من الرادع الفكري والأخلاقي والذوق الإنساني أيضاً.صورة المرأة العراقية هذه، تجد في البرنامج المنوع الذي كانت تعرضه "البغدادية" مساء أيام العيد، ومثلها فعلت في برامجها المنوعة قناة "الحرية"، فما أن يبدأ احد المطربين من الضيوف أداء فقرته حتى تتوزع الاستديو شابات يتنافسن على الرقص صحبة الغناء، في تقليد فج لما كانت فعلته وقبل سنوات كثيرة، برامج المنوعات في قنوات لبنانية، وهي صورة ليست خادعة وحسب، بل جارحة لمشاعر آلاف العراقيات ممن يعملن على الخروج من اسر ثفاقة محافظة، تبدأ من "الحجاب القسري" ولا تنتهي بالزواج القسري المبكر، كأن الفضائيات تتفق ضمنيا مع مصادر تلك الثقافة المحافظة، ضمن معادلة ظالمة: فالسلوك القويم قرين الحجاب والتشدد في السلوك، أما الحرية فعنوانها صورة مبتذلة، اسمها الراقصات ليلا صحبة الغناء الهابط.كما أن صورة أخرى نمطية يمكن تحديد ملامحها، عبر برامج المنوعات تلك، صورة الغناء والموسيقى في العراق، فهي إذ تكون عبر الصورة المتلفزة، أغنيات هابطة بأصوات فقيرة و"نشاز"، إنما تدير ظهرها بأنانية مقصودة لتجارب موسيقية عراقية نظيفة وراقية، تمثلها أجيال تدرس الفن الموسيقي الأصيل عربيا وغربيا، مثلما تؤديه في حفلات وتظاهرات فنية تتضمن الحد الأدنى من العناية بالذوق السليم، والحس الإنساني المرهف. أجيال في كليات الفنون الجميلة ومعاهدها،  في مدرسة الموسيقى والباليه، في معهد الدراسات الموسيقية، وفي فرق موسيقية وغنائية تجرب في كل الأشكال: من المقام العراقي كفن موسيقي تقليدي حتى "الهب هوب" وهو ما ظهر عبر نشاط أكثر من مجموعة في بغداد والبصرة. ورغم الأريحية العالية لكل أولئك والتنوع الكبير لفنونهم الغنائية والموسيقية، إلا أن برامج المنوعات بالكاد تتذكرهم، فيما أنظارها مصوبة نحو "إبهار" غنائي من نوع خاص: ألحان هابطة وأصوات فقيرة تحف بها أجساد الراقصات. التسلية في برامج القنوات العراقية ليست غناء مصحوبا بالراقصات وحسب، بل نجدها في برامج مسابقات قد تكون منفذة في سياق درامي ينطوي على مؤشرات فنية، أو بطريقة الاتصال الهاتفي،  وأحيانا تكون منفذة بنزول مقدم أو مقدمة البرنامج إلى الشارع، وتنفيذ الأسئلة عبر لقاءات مباشرة مع المواطنين. برامج المسابقات هذه، وفي خطوطها المشتركة التي تعني عددا غير قليل من الفضائيات التي أنتجتها، نجد مؤشرين: الأول فقر مدقع في ثقافة الجمهور العامة، والثاني حين تتحول تلك البرامج الى فرصة لكيل المدائح من قبل المواطنين لمدراء تلك القنوات، بعد مداخلات غير بريئة من قبل المقدمين، والمؤشران يكشفان مفهوما فقيرا للتسلية كما تتعاطاه القنوات العراقية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram