لطفية الدليمي -1- لا بد من أن نعرف حقيقة تجلت على مدار تاريخنا الإنساني منذ ثورة الأرقّاء والجواري في بابل حتى ثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس في روما وصولا إلى الثورة الكوبية وثورات أو انقلابات البلاد العربية بعد مرحلة الاستعمار وتحولات اندونيسيا وكمبوديا والثورات الإفريقية سواء في انغولا أو اثيوبيا أو حتى جنوب إفريقيا – هو أن كل ثورة ناجحة وكل تغيير يستولى على السلطة – يتحول كما يقول سيوران – الى ماهو عكس الاختمار والولادة -
فتكف الثورة ويكف التغيير عن كونه ثورة او تغييرا وكل تغيير او ثورة يقلد- بل عليه ان يقلد -ملامح النظام الذي سقط وهو يعيد تشكيل سلطته ، وكذلك يقلد اجهزته واساليب عمله بل يستعين بخبرات ذلك النظام - وكلما بذلت الثورة جهدا من أجل ذلك وهي لا تستطيع أن تفعل سواه – زادت من هدم مبادئها والابتعاد عما نادت به عندما كانت في حالة الفوران واللحظة العاطفية ، أي اللحظة الهائجة المستنفرة التي تحكمت فيها بجموع المحرومين والجياع والحالمين بجنة الأرض بعد التغيير حيث وعدتهم الثورات وعودا لا منطقية وعاطفية إغوائية لا تضع في الحسبان صراع المنظومات السياسية والاقتصادية في ما بعد تولي السلطة ولم تستشرف الطبيعة التناحرية وجشع الحالمين بالسلطة لدى الجماعات والكتل والأحزاب التي تحلم كل واحدة منها بالتفرد والتحكم بمقاليد الحياة .. كل تغيير وكل ثورة وحسب المعطيات الواقعية على ارض البشر – تصير ثورة محافظة على طريقتها الخاصة – يقول المفكر سيوران – فما أن يجد الثوري طريقه إلى السلطة فإنه لايقاتل من اجل المبادئ التي أعلنها مسبقا – ولامن اجل الوعود التي قطعها للجموع التي انتخبته – بل يقاتل من اجل الإمساك بالحاضر ومكاسبه – ولاشيء يساعد الثوار المتمترسين في قلاع السلطة التي استولت عليها الثورة - سوى الأخذ بأساليب النظام الذي أسقطوه للحفاظ على ديمومتهم في قمة السلطة -لذا فإن كل تغيير- حسب رؤية سيوران في كتابه المهم ( تاريخ ويوتوبيا) –يحمل معه بذور تحوله إلى نمط استبدادي جديد وكل سلطة ثورية أو تغييرية أو مجددة تقع في مأزق الاستبداد والتفرد وهي في نشوة الفوز –تعمل الثورات في عالمنا المعاصر وفق هذه الآلية التي لابديل سواها فما أن تتسلم مقاليد الحكم ويجد الثوار أنفسهم في سدة الحكم حتى يستعينوا بآليات السلطة القديمة ، وتقاليد الأنظمة المتهاوية التي أسقطتها الثورة ،وكلما تركزت سلطة الثوار وقبضوا على المقاليد - فقدت الثورة طاقتها الثورية التي دفعت بها إلى تدمير النظام القديم – ونسيت الوعود السابقة او تجاهلتها ، يقول سيوران في فصل ( يوتوبيا) :ما من حالة حرية وما من حالة ثورة إلا في حالة الفوران الجمعي لإسقاط سلطة ما عندما ينخرط الجمهور في عبادة مزدوجة لحلم المستقبل ونزعة الهدم- هدم القديم ليحل الجديد محله .. يتحول معظم الثوريين إلى طغاة ،سواء كانت الثورة في بلد عربي أو أميركا اللاتينية أو آسيا أو إفريقيا ، فمن منا لا يتذكر جرائم ( بول –بوت ) في كمبوديا وهو الذي قاد ثورته للقضاء على نظام محافظ لكنه أقام جبالاً من جماجم البشر ، ومن منا لايعرف ثورة كوبا التي تحول فيها القادة من ثوار رومانسيين الى مستبدين جدد؟؟ وسوف أتحدث لاحقا عن كاتب كوبي معارض هو ( خيسوس زوينكا) الذي روى لي قصصا عن فظائع نظام كاسترو وقد اظهر فيلم (ذي لوست ستي ) –المدينة المفقودة- للمخرج والممثل (اندي غارسيا ) جزءاً يسيرا منها .
قناديل :ضمور الثورات وانحلالها
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 24 سبتمبر, 2011: 07:32 م