ستار الوادي اجتمعت المتناقضات الجغرافية والاقتصادية والسياسية والايدلوجية كلها في آن واحد لتلقي بظلالها وثقلها المتناقض على مسيرة الثورة في ليبيا منذ اليوم الأول لانطلاقها ضمن مسار الربيع العربي. مما أجبر الشعب الليبي المتعطش للحرية والخلاص من نير الديكاتورية القذافية القذرة لما تحمله من تفرد وتسلط وحرمان ومصادرة حقوق الشعب وقمع الحريات وممارسة البطش والترويع بحق الشعب الليبي منذ أربعة عقود ونيف.
أن يدخل في نفق مظلم ودوامة الخيارات والحسابات المرة والمعقدة في تكوين منظومة تحالفات داخلية وخارجية متناقضة ومتنافرة ومتباعدة أحياناً وغير منسجمة في نظرياتها وطروحاتها لغرض إسقاط نظام معمر القذافي. إن التحالفات الداخلية التي تكون منها المجلس الانتقالي الحالي تضم فصائل وتيارات وأحزاباً مختلفة في كل شيء أيدلوجياً وعقائدياً وسلوكياً ،فمنها ما هو ديني (متطرف . معتدل . سلفي) ومنهم الليبرالي ذو الميول القومية أو الوطنية والقليل منهم علماني ينحو للديمقراطية نظاماً. كل هذه المتناقضات ضغطت على نفسها وتهادنت ولو مؤقتاً تحت ظل خيمة المجلس الانتقالي وهذا المهادنة والتوافق جاء من سبب واحد هو وجود المؤثر الأكبر عليها إلا هو معمر القذافي ونظامه وكيفية الخلاص منه، لأنها تحتاج إلى تضافر كل الجهود والإمكانات المتاحة لإسقاط القذافي لأن الآثار السلبية لممارسات القذافي شملت الجميع.ولكن المجلس الانتقالي ليس له القدرة والإمكانية والسطوة التي يستطيع من خلالها أن يصهر كل المتناقضات ببودقة وطنية موحدة ويحول أفكارها وأيدلوجياتها المتناقضة إلى مشروع وطني موحد يأخذ صفة الديمومة والبقاء والوئام الثابت ويلبي طموحات الثورة والثوار ويشكل أرادة وطنية موحدة ومستقلة عن التأثيرات الخارجية وأجنداتها الخارجية ،وكل طموحة يتبلور بأن يرى ليبيا بعد القذافي أكثر حرية وديمقراطية ويسودها التآخي والاستقرار وان تسود الرفاهية والعدل الاجتماعي كل أطياف الشعب الليبي وبالتساوي. كل ما يستطيع أن يقوم به المجلس الانتقالي الآن هو سياسة الاحتواء والتوافق على أقل تقدير في مرحلة الثورة والخلاص. لغرض تعبئة كل الإمكانات المادية والبشرية وتسخيرها باتجاه إنجاز الهدف الأكبر ألا وهو إسقاط القذافي ونظامه. ولكن استشراق المستقبل لتحالفات هذه التنظيمات من الصعب التكهن بها. أما التحالفات الخارجية فهي في سياقها العام اضطرارية للحاجة الماسة لها ميدانياً وسياسياً مما دفع المجلس الانتقالي أن يعقد تحالفات مع دول حلف شمال الاطلسي على عجالة ووفق شروط تخدم مصالح حلف الأطلسي طبعاً وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وايطاليا وأمريكا حتى قبل إصدار قرار مجلس الأمن الدولي بحماية المدنيين والسكان العزل من قصف معمر القذافي. أغلب هذه الدول ساعية وراغبة بالعودة الى مناطق نفوذها الاستعمارية القديمة بدوافع ضاغطة استجدت على ساحة الدول الأوربية وأمريكا كذلك ألا وهي ما تعانيه من أزمة اقتصادية وانهيارات مالية جعلها تفكر بالعودة الى مصادر الثروات وخاصة النفطية لأنها ترى أن الحل الوحيد هو الحصول على مصادر تعيد القوة إلى اقتصادها المنهار وكان الأقرب لها هو التفكير بشتى الطرق والوسائل للوصول للإقليم العربي الضعيف والسيطرة على ثرواته من جديد وبعهد جديد, واضعين مصالحهم وأمنهم القومي على المدى البعيد في مقدمة شروط التحالف مع المجلس الانتقالي. يعود كل ماتم الإشارة إليه الى عدم تكافؤ ميزان القوى الداخلي بين الثوار وقوات معمر القذافي ،تلك القوات التي تملك الخبرة والتدريب والتسليح وتدين بالولاء المطلق الى معمر القذافي لأسباب مادية خالصة ودوافع طائفية بنيت عليها مسبقاً وكثرة ظاهر الجنود المرتزقة بين صفوفها أي ميلها الى الاحتراف في القتال. ولها من المعدات والتجهيزات مايؤمن لها قابلية الحركة والسرعة والتدمير الهائل وهذا ما يتلاءم مع متطلبات القتال في المناطق الصحراوية والمفتوحة التي تمثل ليبيا ثلاثة أرباع الصحراء الكبرى. وأنشأ لها بحسابات طائفية وعسكرية مسبقة مراكز تدريب ومناطق دعم لوجستي في الغرب الليبي الذي كان يدين له بالولاء سابقاً وخاصة في محيط وداخل العاصمة طرابلس وهيأ لهذه الكتائب آمرين وقادة من أبنائه وأحفاده والمقربين منهُ الذين يكنون له الطاعة العمياء لما يتمتعون به من حظوة وامتيازات ومنافع مادية هائلة. يقابل هذا أن المجلس الانتقالي هو وليد اللحظة والحاجة لتنظيم فعاليات وحركة الثوار لايملك العمر الطويل والإمكانات التي توازي ما بيد معمر القذافي وبالرغم من تحالفاته الداخلية والخارجية لم يوفر مايوازي ما لدى قوات القذافي من القدرات والإمكانات لحسم الموقف على الارض لصالح الثوار. لان هنالك خواصر رخوة وضعفا على مستوى التحالفات الداخلية والخارجية. داخلياً لم يكن هنالك تخطيط وإعداد مسبق للقيام بثورة بهذه الضخامة والحجم والمدة ضد القذافي ولو كان هناك تخطيط وإعداد لسارت الأمور وحركة الثورة بخط التكافؤ والتوازن مع كتائب القذافي ولكن كان الرهان المعول عليه هو إسقاط معمر القذافي بالمظاهرات السلمية وإجباره على التنحي حاله حال من سبقه في تونس ومصر مع العرض أن دوافع الانتفاضة الليبية كان ثلاثة محرضة ودافعه والدافع الثالث هو التوحد بلاوعي مع الانتفاضيين في تونس ومصر , وليبيا هي إقليم بين إقليمين منتفضين شعبياً فكانت الأقرب الى
الثورة فـي ليبيا.. والرهان الأطلسي
نشر في: 24 سبتمبر, 2011: 07:37 م