علي حسين ظلت الرتبة العسكرية حلما يراود معظم الذين حكموا العراق، من لم يكن منهم عسكريا جاء بخياطين ليصمموا له البدلة المليئة بالنياشين والأوسمة ليقف بعدها امام مصوره الخاص يلتقط له صورة توزع في الدوائر والمدارس والمصانع وفي ثكنات الجيش ، وفي البيوت حيث تعلق اتقاء لشر المخبرين ، كان العسكر يطلون علينا من كل مكان يرمون بالجميع في السجون، رافعين شعارات من عينة العدالة والمساواة وتحرير آخر شبر من تراب فلسطين ، وراحوا يعلقون الناس على المشانق مثلما يعلقون النياشين على صدورهم ،
وتحولت هزائمهم الى انتصارات ، وتحققت المساواة في قمع الناس وإذلالهم ، عصر العسكر هو العصر الذي كان صدام يغير فيه البدلات العسكرية مثل عارضات الأزياء ،عصر أزياء المهيب الركن بطل النصر والسلام ، عصر القائد الملهم الذي لم يترك شخصية وطنية إلا واضطهدها ، عصر السجون المكتظة وساحات الإعدام المخيفة وزنازين الموت ، عصر الاغتيالات والإذاعات التي تسبح بحمد القائد ، تلك هي صورة العراق قبل عام 2003 ، بعدها كانت الناس تأمل أن تقوم صورة الدولة الحديثة على فكرة تقاسم السلطات والفصل بينها بحيث تمنع ظهور صدام جديد يتبختر بزيه العسكري وقد دفع العراقيون جميعا الثمن غاليا من اجل التغيير والديمقراطية ، ولم يدر بخلدهم يوما أن تتلقفهم القوات الأمنية بالهراوات والاعتقالات لتثبت الحكومة للجميع أنها قوية، ولن ترضخ لاحتجاجات الغوغاء على حد تعبير احد المقربين من رئيس الوزراء. كان الناس يتمنون أن يجدوا أمامهم حكومة قوية في هدوئها.. فقد عانو طويلاً من عهود سادت فيها قرارات الجور والظلم والتعسف، التي أوقعت العراقيين في مصائب كثيرة، وهزائم كبيرة مازالوا يدفعون ثمنها حتى الآن. ظلت الناس تأمل بحكومة تعلي مبدأ الحوار السلمي ، ولا تفرق بين أبنائها ، لا تنحاز لطرف على حساب طرف آخر ، حكومة تتعامل مع الجميع على مسافة واحدة،فالمسؤول والمواطن جزء من النسيج الوطني، حكومة شعارها القانون أولا ،لكنهم وجدوا امامهم عقلية سياسية تتعامل مع شباب التظاهرات باعتبارهم أعداء للوطن وعملاء للخارج ، كان الناس يريدون حكومة تعبر بالعراق من عصر الفساد والقمع إلى عصر الحريات؟ فوجدوا أمامهم حكومة تريد اعادة الناس الى زمن القرون الوسطى، حكومة تخاف من صوت ناشطة نسوية فتقرر ان تعتقلها في وضح النهار، فحسب التقارير الصحفية كانت سناء الدليمي تهتف ضد الفساد في ساحة التحرير حين حاصرتها أربع سيارات مظلله وتم خطفها واعتقالها بسيارة اسعاف ، طبعا السيدة سناء وجدت نفسها خاضعة لتحقيق مخيف بالطريقة ذاتها التي كان يتبعها أمن صدام، ضرب وصفع وإهانات لفظية.، لا ادري ما الذي ارتسم في ذهن هذه السيدة وهي تواجه سيلا من الشتائم ، هل كانت تتوقع انها مازالت تعيش عصر الشعوب الخانعة التي يحكمها عسكر مستبدون يحتمون بدبابات الجيش ، هل كانت تتخيل ان العراق لا يزال يحكم بعقلية القائد الضرورة.لا ادري ما الذي دار بذهنها في تلك اللحظات لكنها حتما ايقنت ان العراق يقع فعلا بين خطرين الاول: تصاعد هجمات الحكومة ضد الناشطين السياسيين والداعين الى الاصلاح، مقترنا بتكثيف القصف من قبل الخلايا الحكومية، التي شمرت عن سواعدها لتشويه صورة المتظاهرين واعتبار ساحات الوطن مصدرا للشرور والأخطار على العملية السياسية، والثاني والأخطر إصرار البعض على استدعاء خياطين لتفصيل بدلة عسكرية وبنياشين لرئيس الوزراء.
العمود الثامن :صورة المالكي عسكريا
نشر في: 24 سبتمبر, 2011: 10:20 م