حازم مبيضين شكل خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة انعطافة مهمة في المسيرة التي تقودها منظمة التحرير منذ عقود, وانتقلت اليوم إلى مرحلة العمل الدبلوماسي، ويعني ذلك أن على المجتمع الدولي أن ينخرط جدياً في البحث عن حل لهذه الأزمة المستمرة منذ أكثر من ستين عاماً, بعد أن قرر الفلسطينيون رفض التفاوض المباشر مع حكومة نتنياهو, المستمرة في تقويض أي مرتكزات يمكن بناء الدولة الفلسطينية على أساسها, وأكدوا رفضهم العودة للمفاوضات مع الاحتلال بدون الوقف الكامل للاستيطان.
حين وقف أبو مازن على منصة الأمم المتحدة, مطالباً بالاعتراف بالدولة الفلسطينية, لم يكن يستحضر إلى الذاكرة وقفة أبو عمار على ذات المنصة, وهو يطالب العالم بعدم إسقاط غصن الزيتون من يده, قائلاً إنه يطالب العالم اليوم بالوقوف أمام مسؤولياته, حاملين في أيدينا غصن الزيتون الذي حمله زعيمنا قبل 36 عاما, وإنما كان يستحضر إلى ذاكرة الفلسطينيين, حرارة دم أبو جهاد ودلال المغربي, وليذكّر مناكفيه من الفلسطينيين أنه واحد من الذين اجبروا على مغادرة مدينتهم وقريتهم, وكل ما بجعبتهم بضعة اشياء وحزنهم وذكرياتهم ومفتاح منزلهم، إلى مخيمات المنفى وشتات النكبة. يعرف عباس أن خطابه في الامم المتحدة ليس نهاية المطاف, وأنه مع شعبه مطالب بالاستعداد لمواجهة التحديات والعراقيل المتوقعة، فقد علمته التجارب المرة أن هناك من يعرقل ومن يضع العقبات, ولا يزال يرفض الحق ويرفض الشرعية وسيقف في وجه طموحات الفلسطينيين, لكن أبو مازن يعرف شعبه جيداً, يعرف شعب الجبارين الذي يستمر في ري أرض فلسطين بدماء الشهداء, ويؤمن أنه بوجود هذا الشعب المعطاء, فان القيادة ستظل أصلب من الجميع في الوصول لحق الشعب الفلسطيني في إنشاء دولته الوطنية المستقلة, وعاصمتها القدس الشريف.لم يتبجح أبو مازن مثلما يفعل سواه, وهو يشهد العالم على تمسكه بسلمية التحرك الفلسطيني لانتزاع الحقوق، ويؤكد للجميع أن الفلسطينيين يريدون الوصول إلى حقوقهم بالطرق السلمية بالمفاوضات، لكنه اليوم يشدد على رفض القبول بالعودة للمفاوضات بدون استنادها إلى مرجعية واضحة, ووقف الاستيطان بشكل كامل, وكم يبدو مدهشاً ومثيراً للاستهجان أن يرفض الكاتب الاردني الثورجي موفق محادين قبول الدولة الفلسطينية في الامم المتحدة, متهماً الجميع بالتآمر من تحت الطاولة رغم كل الممانعات, ويؤكد دون أن هناك قبولاً مؤكداً لهذا الأمر, وهو يعلن دون مواربة أنه يقول لا للدولة الفلسطينية ولا لوحدة هذه الدولة بعد قيامها مع الأردن.رفضت الدولة العبرية منطق عباس السلمي لعدم إيمانها بالسلام أصلاً, وهي القائمة على الاغتصاب والعدوان, ورفضته واشنطن امتثالاً لنفوذ اللوبي الصهيوني, متراجعة بالكامل عن أفكار أوباما في سنته الرئاسية الأولى, ورفضته حماس لمجرد المناكفة, ويرفضه آخرون تخلو أدمغتهم من أي مسحة إبداع, فيحترفون رفض كل شيء وأي شيء, لكن العالم الذي صفق لعباس مطولاً, وهو يلقي خطابه الذي يستحق وصفه بأنه تاريخي, كان يوجه رسالة إلى كل من يهمه الأمر, مفادها أن للفلسطينيين الحق كاملاً في إقامة دولتهم, وأنه آن الأوان لرفع الظلم عنهم, وأن ثمن التضحيات التي قدموها يجب أن يدفع كاملاً, وأن العلم الذي يخفق في كل بقاع الأرض الفلسطينية, يجب أن يرفرف على سارية في قلب نيويورك, بجوار أعلام كل الدول المنضوية تحت رايات الأمم المتحدة والشرعية الدولية.
في الحدث :خطاب عباس..الانعطافــة المهمــة
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 26 سبتمبر, 2011: 08:08 م