وديع غزوان رغم كل الشعارات الديمقراطية التي تبجح بها بعض السياسيين، فان شعورا بالأسى بدأ يتعمق في أوساط الغالبية العظمى من الشعب، بان هنالك تصنيفاً غير معلن للعراقيين وزعهم على درجات ومراتب وبحسب قربهم وبعدهم من أهل الحظوة ممن قسموا العراق إلى إقطاعيات وضيعوا واستباحوا المال العام ليهبونه إلى أعوانهم دون وجه حق على حساب جوع ومرض وحرمان الملايين. وعلى وفق معايير الديمقراطية الجديدة التي جادت علينا بها " القوات الأميركية الصديقة
" وحلفاؤها وأصدقاؤها وأعوانها، فالعراق ومنذ 2003 مقسم الى طبقات جديدة غير تلك التي كنا نقرأ عنها في أدبيات الأحزاب القومية او اليسارية، طبقات يقع في أعلى هرمها التجار السياسيون وهم النخبة، تليهم الحاشية والأقرباء والأصدقاء والأعوان، لتأتي في نهاية السلم الاجتماعي الغالبية من المحرومين والمسحوقين. هذه الطبقة من السياسيين الجدد، ومن اجل أن تبقى أكثر ما يمكن في مواقع صنع القرار، استمرت المحاصصة التي ابتدعتها الإدارة الأميركية وحاولت تقسيم العراق في ضوئها منذ أن جلست على مقاعدها في مجلس الحكم، فلم تعد ترى من العراق غير مصالحها الحزبية الضيقة، فانقلبت حتى على ما تدعيه من ولاء لهذه الطائفة او تلك او هذا المكون او ذاك. لا نعتقد أننا نتجنى على بعض من هؤلاء السياسيين ولا نفتري عليهم، فيكفي أن نطالع ما ينشر من أخبار لنرى أن عدداً غير قليل من مؤسسات الدولة ودوائرها المهمة قد تحولت إلى بساتين لهذا الحزب او ذاك يقطف منه ما يشاء ليوزعه على محاسيبه، ويكفي أن نطالع نشرات منظمات دولية لنعرف مستوى الفساد الذي وصلت اليه هذه الطبقة السياسية. كل شيء مباح في ظل مواد دستورية تحمل اكثر من تفسير، ما أتاح للقوى النافذة ان تفرض رأيها وبمباركة خارجية واضحة، فانقلبت على الانتخابات وشرعية نتائجها وتلاعبت بالدستور وفسرته بحسب ما تريد وتشتهي، ولم تتورع عن التنصل عن اي التزام مع غيرها. هذه الطبقة اتجهت وباعتراف حلفاء لها الى دكتاتورية جديدة، ولم تعد تسمع غير صوتها متجاهلة ما تفرضه المرحلة من اشتراطات، ومتناسية تجارب التاريخ القريب والبعيد. افضل ما تجيده هذه المجاميع الزيف واطلاق الشعارات الرنانة عن العدالة وحقوق الانسان والشفافية وغيرها من المصطلحات، لكنها تمارس يومياً آلاف الأعمال التي تتنافى وابسط القيم الإنسانية بدءاً من حملات المداهمات والاعتقالات العشوائية وزج الآلاف من الأبرياء بالمعتقلات وانتهاءً بعدم الاستقرار السياسي والأمني، مروراً بحالات الفساد التي نسمع عنها دون أن يطال مرتكبوها العقاب.. القائمة طويلة ويكفي ان يجلس اي واحد منا وسط الناس ليسمع قصصاً عن النهب والسرقة والاستئثار بالمناصب والامتيازات.. انها ديمقراطية العولمة.. ديمقراطية لم نسمع أو نرَ مثلها الا في عراقنا الجديد عندما ارتضى البعض ان يتاجر بالوطن و القيم من اجل مصالح خاصة.
كردستانيات : ديمقراطية لكنها جديدة!
نشر في: 26 سبتمبر, 2011: 08:20 م