عبد الخالق كيطان حتى نصبح مجتمعاً ديمقراطياً يلزمنا التخلّي عن عادات كثيرة. ويلزمنا عمل جاد من أجل تأصيل الديمقراطية في بلادنا. فهل يسمح قادتنا ونخبنا لمفاهيم الديمقراطية بأن تتغلغل في النفوس وبالتالي في المجتمع؟
إن الخطابات التي نسمعها ليل نهار من هؤلاء تقول بأن هذه النخب تدفع حقاً إلى تعميق المسعى الديمقراطي مجتمعياً، ولكن المؤسف أن ذلك يظل مجرد خطابات تلفزيونية لا أكثر ولا أقل. فعلى أرض الواقع تعمل النخب السياسية على تضييق الحريات، وبالتالي دفع المواطنين دفعاً إلى التمركز حول هويات ديكتاتورية تتشكل في كل يوم. لا وجود على أرض الواقع لعمل جاد ودؤوب يريد تكريس المبادرة الديمقراطية مجتمعياً بل العكس هو الصحيح. إن ما يجري باسم الطوائف والقوميات والأثنيات والجماعات اللغوية والدينية في كل يوم يؤكد أن البلاد مازالت بعيدة جداً عن تحقيق مثل هذا الطموح. وبالعودة إلى جون ديوي، إذ يرى أحد تلامذته، وهو برنشتاين، إن الديمقراطية بالنسبة لديوي لم تكن موضوعاً مفضلاً من بين مواضيع أخرى للنقاش والبحث ولكنها كانت الموضوع الذي شغل حياته كلها لتصبح على الدوام المهمة المنتظرة. وأن ينشغل ديوي بالديمقراطية بوصفها موضوع حياة هو ما نحتاجه في هذي البلاد، وهو الموضوع المفتقد عند نخبنا. هذه النخب تفكر اليوم، وبالأمس وغداً أيضاً، في الحصول على أكثر ما يمكن من امتيازات (جغرافيّة على شكل أراضي وعقارات للطائفة أو القومية أو الدين، أموال، مؤيدين، مناصب ثابتة هي المناصب الوسطى "الوكلاء والمدراء العامّين ونوابهم"، مناصب في القضاء والنقابات المهنية المختلفة مثل: الإعلام، المعلمين، الأطباء... ألخ..علاقات خارجية... وغير ذلك).. وبالحصول على مثل هذه الامتيازات تدعم النخب والجماعات المتشاركة بالسلطة من مكاسبها وحظوظها بالاستمرار في البقاء على رأس الهرم. قد تتبادل تلك النخب والجماعات السياسية الأدوار، كأن تتحدث الجماعة سين اليوم بالملف الديمقراطي والحريات الفردية على حساب جهة أخرى، ولكن الثابت أن هذه الجهة نفسها سرعان ما تغادر خطابها عندما تتسلم السلطة من جماعة منافسة. الديمقراطية في هذا المنظار هي خطبة عصماء على لسان القادة. دعونا نتذكّر أن الزعماء العرب الذين أسقطهم الربيع العربي كانوا يتحدثون عن الديمقراطية أيضاً. ولكن أحاديثهم الكاذبة لم تنطل على شعوب مقهورة. لا يمكن أن يتقدّم النظام الديمقراطي في العراق إذا لم يرافقه عمل مجتمعي. ولكن من الذي يتصدّى للعمل المجتمعي هذا؟ هل النخب والجماعات السياسية المتشاركة في كعكة السلطة أم المثقف الذي يبحث عن دور، أو ذاك الذي ينتظر أن يلعب الدور الذي يرسمه له السياسي؟ هل علينا التعويل على منظمات المجتمع المدني بالرغم من السمعة التي تحصّلت عليها أغلب تلك المنظمات في السنوات الأخيرة، وهي سمعة لا تطمئن على أية حال؟ هل علينا أن نتزاحم أمام وزارتي التربية والتعليم العالي لكي تبدآن بالمبادرة، ونحن نعلم أن الوزارتين لا تخرجان عن سيرة باقي الوزارات في خضوعها لمبدأ المحاصصة؟ من أين نبدأ وكل الطرق تبدو وعرة أمام حلمنا بمجتمع ديمقراطي؟
عين :كيف نصبح مجتمعاً ديمقراطياً؟
نشر في: 26 سبتمبر, 2011: 08:25 م