د. سامي عبد الحميد قد أكون قاسياً في أحكامي على بعض العروض المسرحية التي تقام هذه الأيام هنا وهناك من أرجاء العراق ،وتنبع تلك القسوة من حرصي على استقطاب جمهور مسرحي متذوق ومن خوفي في أن يشعر هذا الجمهور عما يسمونه (المسرح الجاد)، ومن رغبتي في أن يتقن المخرجون أعمالهم وان يوفروا ما يحقق إقناع المتفرج بما يراه ويسمعه على خشبة المسرح.
وفي ما عدا ذلك فأنا أبارك لأولئك الذين يصرون على تقديم أعمال مسرحية جادة وجديدة رغم كل الظروف الصعبة التي نمر بها في بلدنا العزيز المكلوم نعم لا بد لي من أن اشد على أيديهم واحكمهم على المواصلة ولكن بشرط التأني والتأمل والتعمق ليكونوا خير خلف لخير سلف وليتذكروا كيف كان يعمل إبراهيم جلال وجعفر السعدي وبدري حسون فريد وجاسم العبودي وقاسم محمد وعوني كرومي وغيرهم وكيف كانت نتاجاتهم المسرحية حيث يتحقق فيها الوضوح في الرؤية والتكامل في الشكل والتناسب مع المضمون والابتعاد عن العشوائية.ليتذكروا(البيك والسايق) لإبراهيم و(بيت الدمية) للسعدي و(الحقيقة ماتت) للعبودي و(النخلة والجيران) لقاسم و(الإنسان الطيب) لكرومي و(عدو الشعب) لبدري، أرجوكم أيها الجيل المسرحي الجديد لا تتعجلوا ولا تستسهلوا، فالمستقبل لكم والطريق أمامكم طويل وكان لمن ظهر قبلكم أطول وأكثر مشقة وعناء. لا يغرنكم حصول البعض منكم على جوائز في المهرجانات العالمية ، هذا أمر طبيعي بالنسبة لمن يبدع، ولكنكم لستم انتم المبدعين والوحيدين، فهناك مبدعون أكثر عدداً منكم لم يحصدوا جوائز، بل لم يشاركوا بعمل حي في مهرجان ومع ذلك فإن إبداعاتهم المسرحية أكثر تأثيرا، ومثلنا في ذلك (صلاح القصب).مرة أخرى أعود فأشيد بما تفعلونه وسيحفظه التاريخ لكم وستذكره الأجيال من بعدكم وستفخر بانجازاتكم رغم التهديد والرعب اليومي الذي تكابدونه، يكفي إنكم أصررتم وواصلتم عمل الرسالة النبيلة لفنكم وانتم يا من يصنفكم البعض على صنف(المسرح التجاري)وتصنفون أنفسكم على صنف (المسرح الشعبي أو المسرح الجماهيري) لا تحاولوا أن تبعدوا عنكم الصفة الأولى فهي ليست عيباً أبداً، فهل التجارة عيب، بل إنها تصبح عيباً عندما يسودها الغش والانحراف والإيذاء. المسرح التجاري موجود في جميع البلدان المتقدمة مسرحياً، موجود في (برودوي) بأمريكا وفي (الويست اند) في انكلترا وفي (الشانزلزيه) في فرنسا. نعم حتى انتم فنحن نبارك لكم جهودكم في توسيع رقعة الجمهور المسرحي ونشيد بمساهماتكم في تحبيب فن المسرح إلى قلوب الناس، ولكن أرجوكم حاولوا أن تقفوا ضد كل ما يسيء إلى الإنسان.أرجوكم لا تنزلوا عند رغبات عامة الجمهور، بل حاولوا أن تهذبوا ذائقتهم.نعم أحثكم على تركيز نقدكم لكل ما هو سلبي في مجتمعنا، وتركيز سخريتكم على ما هو معوج من السلوك، ولكن ليس من الخلق(بفتح الخاء)، إذا ما كان مشوهاً لسبب أو لآخر. فالخلق من عند الله، وان جعلتمونا تضحك على تشويهه، فإنما تسيئون لمن خلقكم. نعم اضحكوا الجمهور وهو بأمس الحاجة إلى الضحك على أن يستدرجكم ذلك وصولاً إلى الابتذال حاشاكم. نعم ليرتفع رصيد شباك تذاكر عروضكم المسرحية ولكن ليس على حساب المستوى الرفيع لفنكم، بل حافظوا على سمعته الطيبة وبذلك تحافظون على سمعتكم وعلى مسعاكم الخيّر.
تحياتي واحترامي للعاملين فـي المسرح
نشر في: 27 سبتمبر, 2011: 06:16 م