إحسان شمران الياسري عندما غامرتَ يا صديقي وجلستَ هناك، فإنك لم تَعُد أفضل مني، رغم إن بعض التفاصيل التي أحببتها طيلة عمرك أصبَحت في متناول يديك. ولكنك إذ غامرت فقبلت أن تُمثّل شعبك في المجلس، أصبحتُ أنا أكثر راحة للضمير منك وأقدر على أن أقول (لا) إذ يتعذر عليك ذلك، بل أحسبُ إنه يستحيل..
أنا الآن لا أمنح تفويضاً أو أمنع آخر، وأنت تفعل هذا، فيُلزْمكُ الموقف أن تكون أميناً على كل (لا) فلسين!قال السيد إياد علاوي إنه لم يشتر تصريح السيد نوري المالكي حول عدم صلاحية الأول كشريك بـ(فلسين).. ولأنني أُتابع منذُّ فترة طويلة إجراءات البنك المركزي العراقي بحذف الأصفار وإعادة الاعتبار للدينار العراقي ليكون الدولار بحدود دينار ومئتي فلس، بدلاً من المعادلة الحالية التي تضع الدولار مقابل ألف ومئتي دينار تقريباً، فإنني اضطررتُ لسحب ورقة وقلم لتسعير الفلسين بين أكبر سياسيين في البلد (لكونهما رئيسي أكبر كتلتين في البرلمان).. فالسيد علاوي لا يشتري تصريحات السيد المالكي بفلسين قبل حذف الأصفار من الدينار. وبالتالي يمكن القول بأن الفلسين لا تساوي شيئاً.. وأحسب أن السيد المالكي سيردّ بذات الصيغة، ويقلل السعر إلى فلس واحد !!.. وبعدها تبدأ المناقصة، فيقرر السيد علاوي إن كل ثلاثة تصريحات من السيد المالكي لا تساوي فلساً واحداً. وهكذا تسير دولتنا بين أكبر شخصيتين فيها. إن تناول المشاكل العصيبة للبلد في الفضائيات تجعل بلادنا وشعبنا (فُرجة) لأمة لا إله إلا الله.. وإن السيد إياد علاوي، الذي كان أول حاكم للبلاد بعد مغادرة السيد بول بريمر، يُعرّض ثقتنا بالسياسيين إلى الخطر عندما يبدو غير مكترث بالوظيفة التي يُمارسهُا خصمهُ السيد المالكي.فالسيد المالكي رئيس الحكومة وأعلى مسؤول تنفيذي في الدولة.. وعندما يشتمه سياسي آخر، مهما كانت رفعته السياسية والوطنية، وتاريخه وحاضره، إنما يشتم الحكومة والعاملين فيها وصولاً إلى أصغر كاتب في أبعد مؤسسة عن العاصمة.. وينطبق هذا على السيد إياد علاوي، الذي لا يصح شتمه أو التقليل من مهابته ومكانته، ليس بسبب وضعه السياسي والوطني فقط، ولكنه كان رئيساً للحكومة وأعلى مسؤول تنفيذي في الدولة، فهو يستحق من العراقيين الاحترام والتبجيل لهذهِ الصفة، فضلاً عن الصفات الأخرى. ومازلنا نخاطبه بـ (دولة السيد إياد علاوي)، مثلما نخاطب السيد المالكي بـ (دولة السيد نوري المالكي).وبقدر ما يصبح الأمر مُقززاً أن نسمع من رمزي بلادنا تلك اللغة، التي نفهم منها أو بين سطورها، إن فلاناً لا يُعير وزناً لفلان، ويبادله فلان بذات (المشاعر)، يصبح التطاول على كل رمز من الدولة والمجتمع ممكناً ولا حرج فيه.. ويوم يذهب الخوف من التعرّض للآخرين، مهما كانت صفتهم ومنزلتهم ومهابتهم، تذهب القيم التفصيلية في المجتمع، ويستطيع أبناؤنا الإساءة إلينا تأسياً بالكبار.. فيقول ولدك الذي تحبه ويحبك (بابه هذا كلامك ما أشتريه بفلس)، ثم تتطور مقدرته على إزالة الحواجز بينك وبينه، فيسحب عُلبة الدخان ويناولك واحدة منها (دخّن أبو الشباب.. خوش نوعية!).. ثم يتطاول عليك أصدقاؤه، وبين الجدّ والهزل يقولون لك (والله عمو هذا كلامك ما نشتريه بزبانه..).. ويسمعهم السياسيون فيستخدمون (الزبانه) بدل (الفلس).. ثم يسمعهم البنك المركزي، فيستبدل تسمية أجزاء الدينار من الأفلاس إلى (الزباين).. وأنا أتذكر اليوم كيف مات أبي ومات بعدهُ عمي، ولم يدخن الأخير أمام أبي.فلتنظروا كم عقّد علينا السيدان علاوي والمالكي الحياة.. وأهدرا ثوابتنا!
على هامش الصراحة :صديقي الذي غامر
نشر في: 27 سبتمبر, 2011: 07:25 م