عن موقع: كرايسس غروب (www.crisisgroup.org) أصدرت مجموعة الأزمات الدولية (انترناشنال كرايسس غروب)، التي مقرها في بروكسل، تقريرا مطولا عن العراق كرسته لدراسة حقيقة غياب دور الهيئات الرقابية ما أدى الى تفشي الفساد المالي والإداري على نحو غير مسبوق وتردي مستوى الخدمات العامة، وهو ما تساعد عليه نزعة استبدادية لدى الحكومة.
التقرير يقع في 29 صفحة من القطع الكبير، وهنا عرض موجز لهبعد سنوات من الصراع وعدم الاستقرار، يبدو ان الدولة العراقية تتعزز من خلال تقليص اعمال العنف بما يكفي للسماح بعودة الحياة الى مظهرها الطبيعي. لكنها سمحت للفساد ان يتأصل و ينتشر في مؤسساتها، وهذا بدوره ساهم في تردي الخدمات العامة بشكل كبير. وقد زادت حكومة نوري المالكي من تفاقم المشكلة بتدخلها في عملية محاربة الفساد والتلاعب بمجريات قضايا التحقيق من اجل منافع سياسية و ترهيب المنتقدين لمنع تكرار الحركات الشعبية التي اسقطت حتى الان ثلاثة انظمة في المنطقة . نتيجة لذلك فقد تآكلت مصداقية الحكومة في مكافحة الفساد، ما أدى مع النزعات الاستبدادية الى إعطاء مبرر لمناوئي رئيس الوزراء. ولإضفاء الشرعية على تعثرها، فعلى حكومة المالكي إطلاق حملة قوية لمكافحة الفساد، وتحسين الخدمات وخلق الضوابط والتوازنات في نظام الدولة. عند انتشار العنف بعد سقوط النظام السابق عام 2003 ، عانت الدولة كما عانى عموم المواطنين. وفي جو من اعمال الخطف المتصاعدة والتفجيرات و الاغتيالات، تدهورت الخدمات العامة بشكل كبير. و في صباح تفجير سامراء بداية شباط 2006 كانت الوزارات مهجورة بسبب عدم جرأة الموظفين على الالتحاق بأماكن عملهم. و بين عشية و ضحاها تم التخلي عن مشاريع طويلة الأمد و اصبح القضاة و البرلمانيون اهدافا للقتل ما ادى الى تلاشي عمل هيئات الرقابة مع غياب وجود إجراءات فعالة لمكافحة الفساد. نتيجة لذلك أصيبت الدولة بالشلل لعدة سنوات رغم الزيادة السنوية في الميزانية نتيجة ارتفاع أسعار النفط . هذا الشلل ساهم في تفشي العناصر الإجرامية و المصالح الشخصية في دوائر الدولة . في عام 2009 سمحت جملة من العوامل للدولة بإثبات وجودها . فالاندفاع الأميركي (2007 – 2009 ) كان عاملا أساسيا في تحسين الوضع الأمني، لكن ، بقدر تعلق الأمر بالمؤسسات ، فان إعادة بناء القوات الأمنية بشكل دقيق زادت من الأمن ليتمكن الضباط من العودة الى العمل بدون حماية او مساعدة من الجيش الأميركي. فاليوم ينعم القضاة بحماية قوات وزارة الداخلية. و يعتمد مجلس النواب فقط على الشرطة المحلية و المتعاقدين الأهليين في توفير الأمن. لقد استأنفت الدولة معظم وظائفها .رغم هذا التحسن فان الخدمات العامة مازالت تعاني من معوقات كثيرة اهمها الفساد الذي انتشر كالفايروس في مؤسسات الدولة خلال سنوات غياب القانون الذي ساد حتى عام 2008 . احد الاسباب الرئيسية لتدهور شؤون الدولة هو فشل الإطار الرقابي لها. دستور 2005 و الإطار القانوني الموجود يتطلب عددا من المؤسسات كديوان الرقابة المالية ، هيئة النزاهة ، المفتش العام ، البرلمان و المحاكم لمراقبة اعمال الحكومة . مع ذلك لم تستطع هذه المؤسسات من اثبات وجودها بوجه التدخل الحكومي و العناد و التلاعب و الإطار القانوني العاجز و تهديدات العنف المستمرة . هذه العوامل اضطرت كبار المسؤولين الى الاستقالة من بينهم رئيس هيئة النزاهة في التاسع من أيلول الحالي . حتى منظمات المجتمع المدني – التي واجهت الترهيب الحكومي بشكل تهديدات و اعتقال الناشطين السياسيين و العنف – قد اثبتت عدم قدرتها على مراقبة اداء الحكومة . ورغم عدم اكتشاف مرتكبي هذه الأعمال ، فان مقتل احد الصحفيين البارزين و منظمي الاحتجاجات الأسبوعية ضد الفساد الحكومي يوم 9 أيلول 2011 قد ساهم في تصاعد المخاوف من استبداد حكومة المالكي . ان اطار الرقابة الحالي قد تأسس على يد سلطة التحالف المؤقتة عام 2004، حيث شرّعت السلطة عددا من الإصلاحات التي لم ينظر اليها بشكل صحيح منذ البداية. حيث جردت هيئة الرقابة المالية من سلطاتها الاساسية مثل السلطة الحصرية للإشراف على المشتريات العامة وإحالة قضايا الفساد المشتبه بها الى المحاكم، حيث حولت السلطة تلك الصلاحية الى هيئة النزاهة و هي هيئة تأسست في 2004 كبؤرة اساسية لكل نشاطات محاربة الفساد. رغم تغلبها على التهديدات الخطيرة التي تواجه وجودها في سنواتها الاولى، فان الهيئة لا تستطيع الى يومنا هذا اجراء تحقيقاتها بشكل مستقل نتيجة المشاكل في كادرها و تقييد دخولها الى بعض دوائر الحكومة. لذا فقد اعتمدت على المفتشين العامين ، و هو منصب آخر اسسته سلطة التحالف المؤقتة لوضع مدققين و مراقبين في كل الوزارات و غيرها من مؤسسات الدولة. و بسبب الاطار القانوني و الاداري القاصر فلم تتمكن هذه المؤسسة من تنظيم عملها و بقيت واحدة من الكيانات الجامدة في الدولة . مجلس النواب ، و هو اهم هيئة في اطار الرقابة الجديدة لأنها تحمل مفتاح الاصلاح في كل مفاصل الحكومة ، ربما يكون اكثر تاثيرا من الهيئات الاخرى . نشاطاته الداخلية هي نشاطا
دولة عراقية غير متحققة.. والسبب الفساد ونزعة الاستبداد
نشر في: 27 سبتمبر, 2011: 10:16 م