نجاح الجبيلي يمتلك جان لوك غودار حلاً لأزمة أوربا المالية. إنه حل بسيط وبارع كما يتوقع المرء من الرجل الذي حرر، مع البنادق الشابة للموجة الجديدة، السينما من قيود الأستوديو في الستينيات. "الإغريق منحونا المنطق. نحن ندين لهم بذلك. كان أرسطو هو الذي جاء بكلمة "لذا" وكما في عبارة"
إنك لم تعد تحبني، لذا..." أو "وجدتك في الفراش مع رجل آخر لذا..." نحن نستخدم هذه الكلمة ملايين المرات كي نتخذ قراراتنا المهمة. إنها تدور عن الزمن الذي بدأنا ندفع ثمنه". "إذا في كل مرة نستعمل الكلمة "لذا" فعلينا أن ندفع عشرة يورو إلى الإغريق و ستحل الأزمة في يوم ما ولا يتطلب من الإغريق أن يبيعوا البارثينون إلى الألمان. لدينا التكنولوجيا كي نتتبع كل كلمة "لذا" على محرك الغوغل. نستطيع أيضاً أن نعطي فاتورة للناس بواسطة آلاي فون. في كل مرة تقول أنجيلا مركيل للأغريق: نحن زودناكم بكل هذا المال لذا يجب أن ترجعوا الدين مع فائدة، يتوجب عليها لهذا السبب أن تدفع لهم أولاً حقوقهم".يضحك وأضحك أنا ويضحك شخص آخر كان يصغي في الغرفة المجاورة. إن غودار بطبيعة الحال ضد المفهوم الرأسمالي البرجوازي المتعلق بحقوق الطبع: فهو يعطيه إشارة فاحشة على شكل أصبع في نهاية فيلم " اشتراكية" وهو الهجوم الأخير في حربه التي استمرت 40 سنة على هوليوود. إن "طفل السينما الفظيع" ربما بلغ الثمانين لكنه لم يفقد شيئاً من موهبته.إن فيلم "اشتراكية فيلم" هو نتاج غودار المتأخر بكل مجده المربك: فهو هجوم مخدّر على العيون والدماغ والأرداف الذي يتصرف بحرية بصبرك وتحملك العقلي لكن له أصالة لا ينكرها أحد. لا توجد قصة بالطبع. بدلاَ من ذلك نحن في البحر المتوسط على متن سفينة نزهة، كأنها لاس فيغاس عائمة تغرق كلياً إذ الكورس الإغريقي من الممثلين والفلاسفة يجولون بين المسافرين ذوي الأعمار المتوسطة وهم يستشهدون ببسمارك وبيكيت وديريدا وكونراد وغوته بالفرنسية والألمانية والروسية والعربية. فيلم ليس من السهل مشاهدته. إن إرادة العيش تنزلق بعيداً بشكل متكرر كصور للقرن المعذب وهو يمر أمام أعيننا- فقط ليتم إحياؤه بلقطات غودار السامية للسفينة والبحر أو بعض المقتطفات العشوائية التي تلائم علامتها. نسمع بينما باتي سميث تتجول على الرصيف مع غيتارها مثل مراهقة عنيدة:" كي تكون على حق كي تكون في العشرين ، كي تحتفظ بالأمل". هل هكذا هو مستقبل الفيلم كما يدعي مؤيدو غودار؟ كل ما أعرفه هو لا أحد يجعل من الأفلام هكذا. وأي مخرج مهم سيضع الفيلم كله على اليوتيوب ، وإن يكن يعرض بسرعة البرق، قبل يوم من إطلاقه؟ رجل تأكله الأسطورة إن أتباع غودار صعبو المراس يرون الفيلم لا مجرد مجاز عن أوربا – سفينة من الساخطين الكبار السن ينجرفون في تاريخهم الخاص- لكنه أيضاً مانفستو لجمهورية جديدة من الصور" خالية من اليد الميتة للملكية المشتركة وقوانين الملكية الفكرية. هذه السينما الجديدة سوف تقطع وتلصق معاً في عالم ما وراء حقوق التأليف إذ ستبدو حقوق المؤلف قروسطية مثل حقوق الإله. حتى الآن فإن غودار ألقى ضوءاً قليلاً على خلقه وقد ذهب غائباً عن مركزه تماماً بينما الفيلم يعرض لأول مرة في كان هذه السنة تاركاً الرسالة الآتية:" بسبب مشاكل الأسلوب الإغريقي لا أستطيع أن ألزمكم في كان. سأذهب إلى الموت من أجل المهرجان لكن لا خطوة أخرى". هذا نوع من كارتون غوداري معتادين عليه، غودار ذو الإيماءة الكبرى، غودار الذي كان شخصية نمطية للنكت الفكرية منذ أن انجرف في الغموض الماوي بعد أن أعاد كتابة قوانين السينما في بدايات الستينات مع أفلام مثل " على آخر نفس". شجعه "راؤول كوتار" مدير تصويره الذكي إذ صور بشكل سريع بكاميرات محمولة يدوياً ولا يوجد سيناريو للحديث عنه فاتحا الطريق لا للموجة الفرنسية الجديدة بل لجيل كامل من المخرجين المستقلين حول العالم. سكورسيزي، تارانتينو، ألتمان، فاسبندر، دي بالما، سودبرغ، جارموش، بول توماس أندرسون- بطريقة أو بأخرى هم وعدد لا يحصى غيرهم نمذجوا أنفسهم حسب المخرج السويسري الملغز مع سلسلة لا ينضب من أمثولات سريعة تجعل من منظري الفيلم في حالة عمل لعدة قرون:" الصورة الفوتوغرافية هي الحقيقة. السينما حقيقة 24 مرة بالثانية" " يجب أن تحتوي القصة على بداية ووسط ونهاية لكن لا بالضرورة بهذا الترتيب". في مكان ما يبدو أن الرجل قد أكلته الأسطورة. إن جلسة غودار أمامي في شقة بباريس مرتدياً تي شيرت كان من الضيق إذ أعطاه سيماء بوذا خشن مرتدياً نظارات مستيقظا من قيلولة الظهر تبدو أكثر إنسانية وطفولية من الأسطورة. كان يمتلك لثغة خفيفة. إنه لعوب وصبور. يحاول أن يجيب عن الأسئلة التي يتخذها الآخرون كونها هجوماً. وهو في غالب الأحيان قابل للفهم. ومن الصعب رؤيته كرفيق "تافه" لمخرج الموجة الجديدة فرانسوا تريفو الذي تنازع معه في السبعينات. وهو لطيف مع هوليو ود أو في الأقل هوليوود في الثلاثين
غودار فـي أحدث عمل له "اشتراكية فيلم":
نشر في: 28 سبتمبر, 2011: 07:48 م