إيمان محسن جاسم هل يمكننا القول بأن المجلات والمطبوعات الكثيرة التي تحمل عنوان (المرأة) تمثل واقع المرأة ، أم أنها تستغل المرأة، أم يا ترى أنها تتخذ من المرأة وسيلة للإعلان؟ عندما تتوقف أمام أية مكتبة أو كشك لبيع الصحف والمجلات في الدول العربية ستجد كماً هائلاً جداً من المجلات التي تشعرك بأنها تهتم بالمرأة وشؤونها،وعادة ما تكون طباعتها أنيقة وأوراقها كثيرة لدرجة لا يمكن تصورها وبعناوين جذابة جداً تشد الناظرين إليها.
وللوهلة الأولى تشعر بأن المرأة العربية نالت كل حقوقها بدليل إن عشرات إن لم تكن مئات المجلات المتخصصة بشؤون المرأة تصدر دوريا من أجل عيون حواء العربية وتوزع بكميات كبيرة جدا ، وتحمل بين صفحات عدد كبير من صفحات الإعلان الموجه للمرأة باعتبارها مستهلكة لمنتجات كثيرة أغلبها كماليات استغنت عنها المرأة العربية منذ عقود طويلة ولم يبق لهذه الكماليات وجود إلا في قصور أمراء النفط ونساء البلاط.ويمكنني القول بأن أعداد هذه المطبوعات تتزايد باستمرار لدرجة لا يمكن حصرها أو إعطاء رقم تقريبي لها،ولكن لم يسأل أحد رجلاً كان أم امرأة لمن تطبع وتروج هذه المجلات ؟ هل هي تستهدف تطوير المرأة العربية وانتشالها من حالتها الصعبة اجتماعيا واقتصادياً وسياسياً؟والأهم من هذا وذاك لم يخطر ببال أحد منا بأن أغلب هذه المجلات تصدر في دول تُصادر أبسط حقوق المرأة كحقها في قيادة السيارة مثلاً، أو الترشيح للمجالس النيابية أو حتى حق التصويت باعتبارها نصف المجتمع وربما أكثر من النصف ، بل إن بعض هذه الدول تحدد المرحلة التعليمية للمرأة وتمنعها من إكمال مسيرتها التعليمية. وتزايد أعداد المجلات والمطبوعات التي تهتم بالمرأة العربية لا يعني بالضرورة إن حواء العرب قد تجاوزت المصاعب التي تواجهها منذ الأزل ، وبدأت تدخل عالما آخر أقرب ما يكون للوهم منه للحقيقية.ومن يتصفح هذه المطبوعات يجدها بأنها تصور الحياة للمرأة العربية بشكل مغاير تماماً، وتتجاهل هذه المطبوعات ملفات اجتماعية عديدة أهمها ملف الفقر الذي يتربع العالم العربي على عرشه منذ سنوات حتى وصلته نسبة أكثر من 40% من سكان الأرض الناطقة بالعربية، وطبيعي جداً أن تكون حصة الأسد من هذه النسبة للمرأة.وتتجاهل أيضا ملف الحريات وحقوق الإنسان،هذا الملف الذي تدفع حواء ثمنه مضاعفاً، مرة لأنها إنسان في العالم العربي، ومرة لأنها امرأة في هذا العالم .ومع هذا تقدم لهن المطبوعات والمجلات النسائية باقات متعددة وبصورة ملونة جذابة عن العطور الفرنسية والأوربية، ملابس الصيف والشتاء ، ملابس السهرة ، أدوات الزينة ، وبالتالي فإنها تضعهن في عوالم كاذبة وهمية لا وجود لها إلا في القصص والأفلام، بعيدة كل البعد عن واقع المرأة العربية،هذا الواقع الذي لم يلامسه أحد بعد ولم يقترب منه .وحتى المرأة العربية المثقفة، تجدها هي الأخرى غارقة في وحل مشاكلها وهمومها ووقتها المبعثر ما بين البيت والعمل والزوج والأولاد، و بالكاد تجد فيه متنفسا للراحة ، لهذا نجد بأن ثمة فجوة كبيرة جداً بين صُناع الإعلام والصحافة النسائية وبين المرأة ، خاصة إذا عرفنا بأن دخل المرأة العاملة حتى وإن كانت أستاذة في الجامعة في الكثير من الدول العربية لا يكفي لاقتناء فستان سهرة من تلك الفساتين التي تروج لها مجلات المرأة في عالمنا العربي ، بل أحياناً كثيرة لا يسمح دخلها الشهري بشراء هذه المجلات !! خاصة وإن أولويات الأسرة دائماً ما تكون منصبّة على توفير الغذاء والدواء وتلك مسؤولية حواء في تدبير ميزانية الأسرة .ما دفعني لأن أتناول هذا الموضوع هو إنني وضعت أمامي عشرات المجلات المختصة بالنساء ولم أجد ما يمكن أن يجعل المرأة العربية تغادر مناطقها الاستهلاكية التي غاصت بها، وفشلت الصحافة النسائية بأن تحولها لعنصر منتج وفعال بقدر ما استخدمتها لتمرير الكثير من الإعلانات الكمالية بطريقة أو بأخرى.لقد أهملت الصحافة جانبا مهما جداً يتمثل بأنها تجاهلت قضايا المرأة الأساسية،وتعاملت معها من خلال الجسد ، وحرمتها من أن تمارس دورها وأن تعي قضاياها وتناقشها وتستدل على الحلول للكثير من هذه القضايا الصعبة، وكيف تتعامل مع مشاكلها ومشاكل المجتمع،وكيف تغيّر نظرة المجتمع إلى المرأة وتنقلها لمكانتها الحقيقية .
هـل تعكـس المجــلات النســائية واقع المــرأة؟
نشر في: 28 سبتمبر, 2011: 07:51 م