عبد الخالق كيطان بقي أن نعرف ما هي عقبات التحول إلى المجتمع الديمقراطي، وأوّل تلك العقبات يتمثل في سيادة الجهل وتقديس الخرافة واحتقار العلم والعلماء والنظر إلى المثقفين بوصفهم فائض حاجة في المجتمع. إن مثل هذه العقبات موجودة بالفعل في مجتمعنا العراقي وهي تعيق التحول إلى المجتمع الديمقراطي. وقد يتساءل القارئ عن التوصيف المناسب لمجتمعنا، فأقول باختصار: إننا ما زلنا نعيش في المجتمع الأبوي. هذا المجتمع لا يستطيع الفرد فيه أن يحرّك قدمه خطوة واحدة إلى الأمام دون موافقة من هو أعلى منه رتبة (دينية، اجتماعية، قرابية، اقتصادية، سياسية... إلخ)...
لقد تكرّس المجتمع الأبوي في العراق طيلة عقود (وربما قرون)، وتجد مصداق هذا التركيز في وجود رجل الدين ومنزلته، وفي وجود شيخ العشيرة ومنزلته، وما شابه من مراتب... وعندما وصلنا إلى العهد الملكي، بنسخته الأولى، حاول الملك فيصل الأول الإعلاء من شأن الدولة ومؤسساتها على حساب سلطات الآباء التقليديين للمجتمع. وفي محاولته، الشجاعة جداً تلك تأسس في العراق برلمان منتخب وصحافة حرة وأحزاب مختلفة. نحن نتحدّث عن بدايات القرن الماضي أيام كانت الدول من حولنا مجرد حبر على ورق. لم تمت النزعة الأبوية في المجتمع العراقي، بل تعمّقت مع صعود الأحزاب اليسارية والقومية والدينية إلى السلطة، تلك التي قّدمت زعاماتها بوصفهم ملائكة، أو أبناء الآلهة. صار الزعيم الواحد منهم ينظر إلى تجلّياته في السماء والأرض على حدّ سواء، فهو الذي يمنح الخير وهو الذي يمنح الشر، ولا أحد سواه. مثل هذا الحضور هو ما يذبح التحول إلى المجتمع الديمقراطي. لقد تأخرنا بالفعل منذ عام 1958 وإلى اليوم بطريقة مرعبة، بل أن ما أسّسه الملك فيصل الأول من تقاليد دولة سقط بالتتابع مع هذا الحشد من الزعامات التي بدأت تستحوذ على أركان الدولة وسلطاتها، حتى وصلنا إلى اللحظة القاتمة، تلك اللحظة التي ينقسم فيها ولاء الفرد العراقي إلى مجموعة دوائر تبدأ بالدائرة الأولى الصغرى (العائلة) وتنتهي بالعشيرة أو الطائفة، وهي أكبر الدوائر. أين الوطن في هذه الوصفة؟ مجرد شعار.لا يمكن أن نقرّر من خلال خطاب لأحد زعمائنا بأننا نعيش في مجتمع ديمقراطي، أو في الطريق إليه، لا يمكن الوثوق بمثل هذه الصورة ما دامت قادمة من فكر زعاماتنا، التي نعرف أنها وصلت إلى ما هي عليه من مكانة لأنها تعيش في المجتمع الأبوي، ولأنها لم تبادر إلى كسر هذا التقليد والتصور والبدء بصناعة المجتمع الديمقراطي. لم يبدأ أحد منهم، ومنذ أكثر من نصف قرن، بتدريبنا على معاداة التخلف، والخرافة والجهل. كثيرون منهم قاموا بتشجيع النزعات المتخلفة لدى قطاعات واسعة من أبناء الشعب. لم يخرج أحد من هؤلاء الزعماء ليقول للناس بأنه بشر من لحم ودم. كلهم كان يستمتع بصورته التي تساويه مع الآلهة، والصورة النمطية لزعماء العراق المختلفين، تلك التي يصورونها ويروّجونها هم أنفسهم مفادها: العراق بلد لا يصلح لقيادته إلا أنا الشخص المتكلم! من الذي سوف يزيح هذا الركام من التخلف عن مجتمعنا وبالتالي نقله إلى مرحلة المجتمع الديمقراطي؟
عين :عقبات التحوّل إلى المجتمع الديمقراطي
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 28 سبتمبر, 2011: 08:49 م