TOP

جريدة المدى > محليات > "فـقــاعــة حـضــريــة" ســـوداء فــــوق المــوصـــــل

"فـقــاعــة حـضــريــة" ســـوداء فــــوق المــوصـــــل

نشر في: 30 سبتمبر, 2011: 08:31 م

  الموصل / صالح الياس سحابة سوداء خفيفة تعلو مدينة الموصل تبدو واضحة للعيان، خاصة من مناطق الأطراف المرتفعة، كثيراً ما تكون محطّ تساؤل الوافدين من خارج المدينة . السحابة هذه شبه المستقرة في الأفق ليست حبلى بمطر، إنما بملوثات غازية سامة خلفتها بشكل رئيسي عوادم السيارات المزدحمة، على ما يقول خبراء.  الإحصائيات التي حصلت عليها "نقاش" حول أعداد المركبات في نينوى تبدو مخيفة. إذ يصل مجموع المسجل منها رسميا إلى 327 ألفا على اختلاف أنواعها.
هذا الرقم الذي مصدره مديرية المرور، يضاف إليه سيارات استقرت في المدينة، مسجلة لحساب محافظات أخرى.   70 بالمئة من هذه المركبات تحتضنها الموصل التي يشكل سكانها 60 بالمئة من مجموع نفوس نينوى البالغين زهاء ثلاثة ملايين و250 ألفا.  ترجمة هذه الأرقام بعملية حسابية بسيطة، تعني أن هناك سيارة واحدة لكل ستة أشخاص في مدينة الموصل. فبعد انهيار مؤسسات الدولة في عام 2003 مرّ العراق بفوضى في كل شيء، منها الاستيراد العشوائي للسيارات المستعملة الصغيرة والكبيرة المعروفة محليا بـ "البالة"، خاصة وان أسعارها كانت في البداية، رخيصة جدا لا تتعدى ألفي دولار أمريكي. "البالة" لم تستورد جميعها عبر منفذ ربيعة الرسمي  فتسيّب الحدود سهّل لمهربين عراقيين ادخال سيارات من سوريا إلى نينوى، باجتياز الساتر الترابي الفاصل بينهما، يؤكد فيصل محمود احد الذين اشتهروا بتهريب السيارات قفزا على الساتر.  ويضيف محمود لـ "نقاش": "هـُرِبتْ مئات السيارات الفارهة كـالبرادو والمارسيدس والشوفرليه على مدى أكثر من عام، وتم تسجيلها رسميا فيما بعد".  في آب 2006 قررت الحكومة منع دخول "البالة"، فيما قنّنت استيراد المركبات الحديثة، بحيث أصبحت المحافظة سوقا نشطة لهذا النوع من التجارة.  أبو لقمان وكيل نقل السيارات المستوردة من المنفذ الحدودي إلى الموصل، يشير الى "ان ذروة هذا النشاط بلغت في عامي 2006 و2007 ، حيث أدخلت عشرات آلاف السيارات، من ربيعة والأنبار والبصرة".  محمد طلال شاب عشريني، يحلم باقتناء سيارة، إن "جمعية المتقاعدين ستحقق حلمي بشراء واحدة حديثة، بعد تقسيط مبلغها على 36 دفعة شهرية، سوف نسدده من راتب والدتي المتقاعدة".  ويضيف، لدى خروجه من طابور طويل تشكل أمام مقر الجمعية لهذا الغرض: "إن بيع التقسيط يشهد إقبالا واسعا رغم ان الشراء نقدا، يؤدي إلى خفـض السعر بنحو ثلاثة آلاف دولار".  ازدياد أعداد السيارات لم يقابله تحسن في شوارع مدينة الموصل، ولم تجر أية توسيعات في الطرق الرئيسة والفرعية، كما لم تشهد المدينة بناء جسور وأنفاق تستوعب الزيادة الحاصلة.  ويقول العميد نشوان عبدالله الخزرجي في لقاء إن "شرطة المرور تتولى الآن تنظيم السير في تقاطعات المدينة الـ (43)"، مضيفا أن العمل بنظام الإشارات الضوئية "يستحيل من الناحية العملية، فأرتال القوات الأمنية والمسؤولين لا تنقطع جيئة وذهابا، غير عابئة بالنظام المروري".  كما أوضح إبراهيم حلبوص مدير قسم هندسة المرور في بلدية الموصل، "أن كوادره أصلحت بعضا من الإشارات المعطلة، ومع ذلك لا يتم الالتزام بها من قبل شرطيي المرور". لكنه يقول بصراحة: "لا نستطيع ايضا ضمان استمرارية عملها، لعدم توفر الطاقة الكهربائية اللازمة لإدامة تشغيلها".  الدكتور صلاح الجنابي أستاذ متمرس في الجغرافيا في جامعة الموصل، يرى "ان الموصل مدينة مهيأة أساسا للتلوث، لأنها منطقة تلالية، مركزها أشبه بهضبة مسطبية متدرجة هابطة باتجاه مجرى النهر".  ويفسر ظاهرة السحابة الدخانية، بان مقدار الحرارة والغازات المنبعثة من دوران محرك السيارات زادت كثيرا مع تضاعف أعدادها، دون القدرة على النفاذ خارج الغلاف الغازي، لتبقى محصورة بين الكاربون الذي تطلقه السيارة وبين سطح الأرض.  سقف الانقلاب الحراري أصبح متحدبا فوق مركز المدينة بتأثير التيارات الصاعدة من حرارة وسائط النقل، بينما يهبط في أطرافها لقلة المركبات هناك، مشكلا ظاهرة تسمى علميا "الفقاعة الحضرية"، كما يؤكد الدكتور الجنابي الذي ينبه إلى ان النظر في فضاء المدينة من منطقة طرفية مرتفعة يفضح حجم التلوث بأعلى صوره.ويجدد الجنابي دعوته، التي اطلقها قبل 5 سنوات، لطلبة كلية الطب من اجل التخصص بأمراض الصدر والرئة والسرطان لاعتقاده انها ستكون الاكثر شيوعا في المستقبل القريب.  وفي هذا الإطار يرصد رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس المحافظة محمد الغنام، زيادة واضحة في أمراض العيون والجلد والصدر والأمراض السرطانية.  ويعزو الغنام، وهو طبيب عيون، تلك الزيادة إلى تلوث الهواء بالغازات السامة المنبعثة من مصادر عديدة، لكن أكثرها لفتا للانتباه وسائط النقل الفائضة في المحافظة.  معظم المتخصصين الذين قابلهم مراسل "نقاش" عند كتابة هذا التحقيق، يحذرون من خطورة الزحام المروري الذي يجبر محركات المركبات على الدوران لساعات طويلة لبلوغ هدفها، بينما لا تحتاج سوى دقائق في الظروف الطبيعية، ويدعون إلى رفع معرقلات السير، خاصة السيطرات الأمني

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

مقالات ذات صلة

اللغة الأم للصابئة المندائيين مهددة بالانقراض.. دعوات لإحيائها عبر استحداث  مراكز وإقامة دورات لتعليمها
محليات

اللغة الأم للصابئة المندائيين مهددة بالانقراض.. دعوات لإحيائها عبر استحداث مراكز وإقامة دورات لتعليمها

ذي قار / حسين العامل بعد ان كان عدد من يجيدون اللغة المندائية في ذي قار خمسة اشخاص قبل 15 عاما تراجع الى ثلاثة فقط، مما يثير المخاوف من انقراض اللغة التي تعد مهد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram