وسام يوسف تتسابق البلدان وتضع الميزانيات اللازمة بغية أن يحترمها الآخرون لتحافظ على صورة لامعة في أذهان الناس سواء كانوا في الداخل أم في الخارج، والمهرجانات والمسابقات ورعاية الآداب والفنون خير شاهد على ما نقوله، فإن هذه الدول وخاصة الأوروبية منها، وبعد خروج أغلبها من حروب ومخاضات عسيرة أيقنت أن شعار السلام هو في رعاية أصحاب العقول، والكفاءات من علماء وفنانين ورياضيين،
بل أبعد من ذلك في دعم كل ما يخطر على البال وما لا يخطر أيضاً، بمعنى أنها لا تدخر جهداً إلا وأنفقته من أجل هدف واحد هو تحسين صورتها في عيون الرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي أيضاً. أما نحن فإن المسألة معكوسة، فثمة إخفاقات كأنها ممنهجة في عرض أو تسويق في قضايانا في عيون الآخرين، ولعل وسائل إعلامنا تتحمل العبء الكبير في هذا المجال، تحاول بعض وسائل إعلامنا أن تكون مهنية وتسعى إلى خلق فضاء شعوري بل والتأسيس إلى إعلام حر يتصف بشروط النجاح وتأكيد الذات العراقية، إلاّ أن الحقيقة هي عكس ذلك، ففي خضم هذا الكرنفال من الفضائيات نادراً ما تجد برنامجاً هادفاً يتصف بالمهنية في عرض الحقائق والالتزام بالحيادية والموضوعية، فإن أغلب العاملين في تلك الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى مصابون بداء نرجسية كاذبة أو حالة من نزعة طائفية حقيقية، بمعنى أن بعضهم يعرف متى يبتسم ويتهلل وجهه ومتى يتجهم وهو يظهر جرماً عما يقوله الضيف أو حين يبث خبراً أو تقريراً عن قرية أو قصبة نائية تقع في الجنوب أو في أقصى الشمال، لذلك نعتقد أننا بحاجة إلى إعادة صياغة خطابنا الإعلامي سواء كان خطاباً مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً، وهذا لا يتم إلا من خلال فتح معاهد للتدريب المهني والتطوير بالإضافة إلى دورات مكثفة يقع على عاتقها التأسيس لإعلام قادر على مجاراة تلك السياسات الإعلامية في دول المنطقة على أقل تقدير. ونعتقد أيضاً بأن ذلك ليس بالعسير إذا ما جعلنا من الدستور نظاماً قانونياً فعالاً ومحترماً من الجميع سواء من كانوا تحت القانون أو فوق القانون، ومن هنا تبدأ البداية في التسويق إلى سياسات تتصف بالديمقراطية واحترام الذات والقانون وخلق فضاء شعوري محلي وإقليمي يؤكد هوية العراق وإمكاناته الهائلة. فبعد ذلك الانهيار الدراماتيكي الذي عاناه العراق وبعد جملة من حروب وحرمان وإقصاء نفسي ومعنوي متمثل بسنوات الحصار العجاف، قد تم فيها الإجهاز على أحلام العراقي والدوس على مقدرات معيشته وجعل منه إنساناً غير مكترث ،فاقد الثقة بالسياسة، وللأسف نقول ما أشبه الليلة بالبارحة، ونحن نلحظ اتساع الهوة بين المواطن والسياسي وتراجع الثقة بشكل ظاهر يستحق التوقف والدراسة، فقد غادر من غادر ورحل من رحل سواء إلى بلدان أخرى أم إلى الملأ الأعلى، تاركين فراغاً كبيراً من الصعب تداركه على الرغم من بعض الادعاءات التي تؤكد أن العراق مليء بأصحاب الكفاءات والخبرات إلا أن سياسة الإقصاء المتبرقعة بثوب الطائفية أبعدت الكثير من أولئك، بل أجهزت على مطامحها في بناء العراق وخلق مشاركة عادلة تجعل من العراق بلدا يهابه أعداؤه، فمن واجب الحكومة أن تعمل على استدعاء الكفاءات العراقية المثقفة في شتى الاختصاصات وتوفير بيئة صحية تمنحهم المزيد من القدرة على العطاء والإبداع، بمعنى أن علينا البناء من الداخل قبل إجراء أي تسويق إعلامي لقضايانا، وهذا لا يتم إلا بدعم ثقافة الانتماء إلى بلد ضارب بجذوره إلى ستة آلاف سنة قبل الميلاد.
العراق في عيون الآخرين
نشر في: 1 أكتوبر, 2011: 07:09 م