كيف يتمكن المواطن العربي من فهم حقيقة المرحلة الانتقالية التي يمر بها في ظل حداثة التجربة والغموض والتناقضات الكثيرة التي تصاحبها ؟ ومن المسؤول عن كشف الحقيقة وإيصالها بأمانة للمواطن ؟ تزداد انتهاكات حقوق الإنسان لا سيما في الدول التي تشهد تحولات في الأنظمة الحاكمة وتمر في مرحلة انتقالية بكل ما يصاحبها من فوضى أمنية وصراعات سياسية واجتماعية ،الأمر الذي يجعل المواطن
في تلك الدول يدفع ضريبة تلك التحولات عبر نزيف من التضحيات وانتهاكات لحقوقه من جهات متعددة حيث تظهر الميليشيات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة في ظل غموض المشهد وتعدد الجهات المتصارعة وغياب الحقيقة . وعندما نقول هذا فإننا ننطلق من حقيقة تكرست في التجربة العراقية وما تلاها من تجارب عربية في ليبيا ومصر واليمن ودول أخرى مازالت تشهد غموضا في الأحداث والمواقف .وفي ظل هذا الغموض يصبح المواطن في هذه البلدان بحاجة إلى معرفة ما يحدث حوله وكذلك الرأي العام حيث يتطلع الجميع الى وسائل الإعلام التي تتصدى لمهمة توضيح المشهد وكشف الحقيقة للمتابعين باعتبارها الجهة المسؤولة عن نقل الخبر بحيادية ونزاهة فضلا عن نقل الرأي والتحليل لما يحدث في الوضع السياسي للشارع والجمهور ليساهم في تشكيل قناعات المتلقي الذي سيكون بأمس الحاجة للتنوير والمعرفة في ظل التحولات التي تحدث اليوم في المشهد العربي ليحدد موقفه من هذه التحولات .ويمارس الإعلام بجميع وسائله هذا الدور الذي تعده الأنظمة والعديد من الأطراف المتصارعة خطرا حقيقيا يهدد مصالحها لأنها تخشى كشف الحقيقة وتحاول إخفاءها بأي ثمن لأنها تهدد بقاءها واستمرارها فتلجأ إلى التضييق على الإعلام وممارسة جميع أنواع الضغط عليه انطلاقا من منع التصوير وتكسير الأجهزة والكامرات وإغلاق الفضائيات وسحب الرخص مرورا بالتهديد والخطف والإبعاد. واليوم نجد إن التعامل مع هذا الإعلام اخذ منحى القوة والعنف ووصل إلى القتل لنشهد استهداف الصحفيين والإعلاميين في الكثير من مواقع الحدث ليعبر ذلك عن إفلاس الأنظمة الدكتاتورية وأجهزتها الأمنية التي قتلت رجال الحقيقة في مصر وليبيا واليمن وهم يحاولون نقل الحقيقة من خلال كامراتهم التي يخشاها الطغاة أكثر من أي شيء آخر لسبب بسيط هو إنهم تعودوا أن يعيشوا في جمهوريات الظلام والتعتيم الإعلامي خلف أسوار الحقيقة . ومن خلال قراءة متأنية في طريقة تعامل الأنظمة الدكتاتورية مع وسائل الإعلام في الدول العربية للعقود الماضية نجد بأنها تمكنت لعقود طويلة من احتكار هذه المؤسسة وتسخيرها لمصلحة النظام وشخص الحاكم وعملت على توظيفها وتجنيدها لنشر أفكاره والتأثير على المنظومة القيمية للمواطن باتجاه تغيير مفاهيم المواطنة والوطنية , ولقد سعت الأنظمة إلى السيطرة على الإعلام من خلال إحكام قبضتها على المؤسسات الإعلامية (وزارة الثقافة والإعلام ) والتي كانت مجرد واجهة للأجهزة القمعية للسلطة . وفي ظل غياب القوانين التي تحمي الإعلام تمكنت الأنظمة من احتكار الإعلام لصالحها عبر السنوات الماضية .ويمكننا القول بان الإعلام العربي عبر العقود الماضية ونظرا لممارسات النظام وتدخلاته كان يمر بأزمة كبيرة وحقيقية تمثلت بفقدانه الدور المؤثر في صناعة الرأي العام إضافة إلى ضعف التأثير بالمتلقي .الأمر الذي جعلنا اليوم نشهد أكثر من نوع من الإعلام .النوع الأول , إعلام السلطة وهو معروف بتوجهاته التي تخدم النظام الحاكم وتدافع عنه حتى آخر نقطة حبر لأنه ربط مصيره بمصير النظام .والثاني هو إعلام مدعوم بالمال من جهات لها مصالح خاصة تريد إسقاط هذا النظام وإبقاء نظام آخر على حساب الحقيقة والمهنية وحسب مصالحها التي توجهها الانتماءات العرقية والطائفية وهو الإعلام المأجور ما جعلنا نشهد ازدواجية هذا الإعلام بمساندته الثوار في دول معينة وتسخير كل طاقاته في خدمتهم واتهامه الثوار في دول أخرى بتنفيذ أجندات خارجية في ازدواجية واضحة . والنوع الأخير هو الإعلام الحر الذي يبحث عن الحقيقة ويضحي في سبيل إيصالها للناس بكل حيادية ومهنية ونزاهة لذلك يكون هدفا للأنظمة التي تريد إسكاته ومنعه من أداء دوره التاريخي ولكن هيهات أن ينجحوا في ذلك لأن الحق دائما ينتصر في النهاية والحقيقة لابد من أن تظهر لأنها مضرجة بدماء الشهداء من رجال الصحافة والإعلام الشجعان .
قتل الصحفيين والتحوّل الديمقراطي
نشر في: 2 أكتوبر, 2011: 08:24 م