حازم مبيضين يبدو عصياً على الفهم, أن يرفض مواطن في أي بلد في العالم, عودة مواطن آخر من نفس البلد إلى بلده, الذي غادره مكرهاً, وتحت ضغط ظروف قاهرة, وفي هذا السياق, يبدو مستهجناً أن يرفض بعض الليبيين عودة المواطن اليهودي الليبي ديفيد غيربي إلى وطنه, بعد إطاحة العقيد القذافي، حتى وإن كان الهدف من عودته إعادة افتتاح المعبد اليهودي الوحيد في طرابلس، والمغلق منذ أكثر من أربعين عاماً، كما يبدو مستهجناً اعتبار عودته عند آخرين تحدياً لقادة البلاد الجدد,
يتطلب إثباتهم الالتزام بالقيم الديمقراطية التعددية, وبما يشكل اختباراً لهم, ليتبين إن كانوا سينتهجون سياسة تمييزية, أو أن ليبيا الجديدة ستكون ديمقراطية حقيقية.داود غيربي واجه تهديداً بالقتل, عندما بدأ العمل على إصلاح المعبد المهجور, وبالرغم من أن رئيس المجلس الانتقالي صافحه باعتباره مواطناً, فان السلطات الليبية تتجاهل جهوده لإعادة فتح المعبد, وإعادة الاعتبار لليهود, لكن الرجل البالغ من العمر ستة وخمسين عاماً, مصر على برنامجه, وهو يقول إن بإمكانهم تهديدي وقتلي، ولكني لن أستسلم, وسأنظف المكان من القمامة, وأدفع لبعض السكان أجرا لمساعدتي على تنظيف جدران المعبد من الكتابات, سابقة لأوانها, فيما يتعلق بمعالجة أمر حساس كهذا, لكن الرجل نجح في الحصول على دعم السكان المحيطين بعد عقود من الإهمال, وفي الوقت ذاته يؤكد بعض مسؤولي المجلس الوطني الانتقالي أن خطوة إعادة افتتاح المعبد قد حظيت بتأييد الميليشيا المحلية التي ساعدت في تأمين الحي بعد سقوط القذافي، وكذلك حظيت بتأييد ودعم اثنين من الشيوخ الذين يعملان كأئمة في المسجد المحلي.معروف أن قادة ليبيا الجدد أخذوا خطوات تاريخية لتمكين الأقليات الأخرى التي تتعرض للاضطهاد منذ فترة طويلة، غير أن عودة اليهود على ما يبدو تحتاج إلى سيادة ثقافة جديدة عن المواطنة, كما تحتاج إلى فهم أعمق لطبيعة الصراع مع الصهيونية, وإلا فكيف نفهم أن قومياً عربياً أو إسلامياً, يطالب يهود ليبيا بالاستمرار في العيش في وطن إخوانه الفلسطينيين, ويمنعهم من العودة إلى ديارهم, فيما هو يطالب اليهود من القوميات الأخرى بمغادرة فلسطين, علماً بأن عدد اليهود الليبيين لايتجاوز 200 ألف يبدو أن أي محاولات يفكر هؤلاء القيام بها للعودة واسترداد ممتلكاتهم, ستفاقِم علاقة تشوبها حالة من عدم الثقة والكراهية المتأججة على مدار عقود, والسبب فيها قيام الدولة العبرية على أرض عربية.يفرق الليبيون بين المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، والمهاجرين إلى دول أخرى, ويصر معظم الذين يدعمون عودة مواطنيهم اليهود على ضرورة ألا يتم السماح لمن هاجر إلى إسرائيل بالعودة, مع أن الأصح تشجيع هؤلاء بالذات على الرجوع, ومنحهم امتيازات تصرف نظرهم عن الدولة العبرية والمشروع الصهيوني, وعلى الليبيين اليوم إن كانوا يؤمنون بالتعددية. والديموقراطية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان القبول بكل الحقوق مجتمعة, بما فيها حق مواطنيهم اليهود في المواطنة المتساوية مع كل أطياف المجتمع.يهود ليبيا الذين تواجدوا فيها منذ حوالي ألف وسبعمائة سنة, تعرضوا للتهجير, وصودرت أملاكهم بعد حرب حزيران 67 , وهم يستحقون اليوم تشجيعهم على العودة, ويستحق غيربي كل الدعم على خطوته الشجاعة, خصوصاً وأن طريقة تعامل قيادة البلاد الجديدة مع هذا الملف ستساعد في تشكيل الرأي العام الغربي عن أوضاع ليبيا ما بعد العقيد, التي تحتاج في مرحلة إعادة البناء والإعمار إلى كل دعم ممكن.
في الحدث :عودة اليهود الليبيين.. لماذا الرفض؟
نشر في: 4 أكتوبر, 2011: 09:43 م