عبد الخالق كيطانrnrnبعد كلّ ما ذكرناه في الأيام السابقة حول المجتمع الديمقراطي، يمكننا بسهولة أن نصل إلى الجواب الحاسم، والذي قد لا يروق لكثيرين، ومفاده: كلا. نحن غير مؤهلين للانتقال إلى المجتمع الديمقراطي في هذه المرحلة من عمر بلادنا.rn
إن عقوداً من القمع المنظّم وتكميم الأفواه والنفي والهجرة الجماعية والصراعات الطائفية والمذهبية والحروب الخارجية والتنكيل بالمعارضين وتخريب الاقتصاد الوطني وتهديم البنية الأخلاقية وما إلى ذلك من شرور عميقة لا يمكن إلا أن تقود إلى حال من الخراب كالذي نعيشه فعلياً. وبالرغم من أنني أتمسّك، بكل ما أوتيت من قوة وثبات، بالأمل، وفي أشدّ الأيام ظلاماً وظلامية، كنت أمنّي النفس بعالم عراقي جديد وجميل، إلا أنني أكتشف، مثل طفل على أيّ حال، أن الأمنيات وحدها لا تكفي وأن الآمال العظيمة تحتاج إلى من يحوّلها إلى وقائع على الأرض. أما وأن الأمنيات ظلت مجرد أمنيات، وأن الآمال بقيت محبوسة في نفوس الناس، فلا يمكنني والحالة هذه سوى الاعتراف بصدق لمن يقرأ هذه الكلمات بصعوبة وضعنا ووصوله إلى لحظة أقرب إلى اليأس منها إلى الأمل. ليس المجتمع الديمقراطي معجزة لا تليق بالعراقيين. وليست الشعوب التي بلغت هذه الغاية بأعظم من شعبنا أو أكثر قدرة على الابتكار. ليس العنف الذي مورس ضدّها بأقل من العنف الذي مورس ضدّنا... ولكن الذي فعلته تلك الشعوب هو في قدرتها على الإصرار. ثم الابتعاد عن التشكّي، وأخيراً في انتزاع الحقوق كنتيجة طبيعية لإيمان تلك الشعوب بها. ليس من الجائز، ولا من اللائق، أن يعمد كتّاب الرأي إلى تيئيس الناس. بل الأحرى بثّ الحماسة في النفوس. ولكن، كيف يمكن أن نبثّ الحماسة في النفوس وكل شيء يدعو للرثاء؟ مع ذلك. لا يمكنني أن أتحوّل إلى عرّاف فأفتي بالغيب. ولكنني أستطيع أن أدعو إلى الاهتمام بشكل جاد ببناء مجتمع ديمقراطي يليق بتضحيات شعبنا. ولا يمكن تحقيق هذا المجتمع بجرة قلم، ولا بقرار حكومي. بل بعمل مستمر قد يطول عمره وقد يقصر، ولكنه عمل شاق وضروري إذا ما آمنّا حقاً بأهمية بناء مثل هذا المجتمع ليكون ظهيراً قوياً لنظام حكم ديمقراطي يقود البلاد والعباد إلى برّ الأمان. والعراق بلد لا يقع خارج التاريخ ولكنّ أبناءه بحاجة ماسّة لأن يودعوا عاداتهم بالتغني بالتاريخ، والبحث عن مخرج لمستقبلهم قبل حاضرهم. لا يمكننا المكوث في التاريخ والعالم من حولنا يتسابق لبلوغ المجتمع الأمثل. ولأن العراق لا يقع خارج التاريخ فهو قادر بالفعل على فعل أشياء كثيرة. لقد مرّ بهذه الأرض طغاة وجلادون من مختلف الأنواع. وخضع العراقيون إلى أنواع من العذابات، وآن لهم أن يتحرروا من ذلك كله عبر وسيلة أثبت التاريخ نفسه أنها كفيلة ببناء غد مشرق، وهي تتمثل ببناء المجتمع الديمقراطي الذي يضمن للجميع حقوقهم بلا أي تمييز. المجتمع الديمقراطي هو الأغنية التي أعتقد أننا جديرون بكتابتها. وهو المبتغى الذي يخلّصنا من عذابات الأنظمة التي تتلوّن حتى تسيطر. وهو الضامن النهائي لنظام حكم ينصفنا. إننا مطالبون بالعمل على بناء هذا المجتمع الذي تحفظ فيه الكرامة، ويحفظ فيه حق الاعتقاد والتعبّد، كما يحفظ فيه اختلاف الرأي وممارسة الحياة كما سائر البشر. من أجل ذلك كلّه يصحّ أن نردّد أنشودة أمل، وفي أحلك أيامنا.
عين...هل نبلغ المجتمع الديمقراطي؟
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 5 أكتوبر, 2011: 09:29 م