د. سعد بن طفلة العجمي لعلّي لا أضيف للقارئ العراقي الكريم جديداً إن قلت إنّ العهد المباد لنظام صدام حسين قد خرّب العلاقات مع جيرانه كافة. فهو دخل مع إيران في حرب استمرت ثماني سنوات، وتعرض لانتهاكات تركية لسيادة بلاده بحجة مطاردة الكراد، وانقطعت علاقاته مع سوريا التي يحكمها حزب بعث آخر منذ وصوله الحكم عام 1979، وغزا الكويت عام 1990. ولم تكن علاقته بالمجتمع الدولي أحسن حالا من علاقته بجيرانه و”أشقائه” العرب.
ولو كنت عراقيا لحرصت كل الحرص على تميز علاقة بلادي المستقبلية بالكويت تحديدا. وذلك لأن الكويت دون باقي دول الجوار العراقي ليس لديها مخطط ولا أجندة ولا أيديولوجية فكرية ترغب في تصديرها للعراق. فجيران العراق لهم أجندات متفاوتة في ما يرغون بأن يرونه في عراق المستقبل. فالسعودية مثلا دولة محورية عربيا وإسلاميا، وقوة نفطية عالمية، وقدرها أنها تحاول ملء فراغ قيادة الأوضاع العربية، وخصوصا في ظل انشغال مصر بثورتها ونتائجها. وسوريا تعتبر أنها الوريث الأيديولوجي الشرعي لعراق ما بعد صدام، صحيح إنها مشغولة بأوضاعها الداخلية حاليا، لكن الأصح إنها ساعدت كثيرا من البعثيين بعد سقوط نظام صدام وطمحت أطراف فيها إلى العودة لحكم العراق قسرا. وتركيا لا تخفي اهتمامها بالشأن الداخلي العراقي وترى أنها حامية حمى التركمان ويخيفها إعلان دولة كردية مستقلة يمكن لها أن تفجّر أوضاع كردها فيتطلعون للانفصال والاستقلال. أما إيران، فهي لا تخفي تدخلها هي الأخرى في الشأن العراقي، ويتراوح طموحها من خيالات فارسية قديمة إلى صك توكيل منحته لنفسها لحماية الشيعة بالعالم بمن في ذلك شيعة العراق، في وقت تسوم فيه أشقاءهم العرب الشيعة الخسف عبر الحدود في عربستان. وحتى الأردن، على الرغم من تلاشي أحلام الهاشميين في العودة لحكم العراق، إلا أن هناك من يرى إرثا هاشميا في دولة العراق الحديثة التي تشكلت وانتعشت وازدهرت في أيام حكم الهاشميين منذ عام 1920 وحتى سقوط حكمهم عام 1958. وبالتالي وبكل صراحة ووضوح، فإن الكويت هي الدولة الجارة الوحيدة للعراق التي لا أجندة لها ولا طموح في الداخل العراقي، فلا هي عددياً قادرة على التغلغل في العراق، ولا هي عسكرياً قادرة على تهديد أمن العراق، ولا هي اقتصادياً مؤثرة بأي شكل على الاقتصاد العراقي. أكتب هذا المقال وأنا أتابع من لا يتوقف عن افتعال المشاكل مع الكويت بكل شاردة وواردة، بينما يمكن أن تكون الكويت بسبب طبيعتها التجارية تاريخياً منفذاً للعراق، ورئة يتنفس منها الاقتصاد العراقي جنوباً.في أول تسلّمه رئاسة العراق، قال لي الرئيس غازي الياور في لقاء بالكويت: علينا أن نحافظ على الكويت في هذه المنطقة بعيداً عن مشاكلها وحروبها، ونعاملها مثلما عامل الأوربيون سويسرا أثناء الحرب العالية الثانية، ففي ذلك خير للجميع على المدى البعيد.يا جماعة، ترى الكويت غير!!
جسر :الكــويـت.. غيــر
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 8 أكتوبر, 2011: 07:07 م