عامر القيسي يروي ايريك هوبزبوم في كتابه "عصر مثير.. رحلة عمر في القرن العشرين" أن اتجاهات الرأي عند الجمهور النمساوي كانت محصورة بين حزبين، الاشتراكيين المسيحيين والاشتراكيين الديمقراطيين، أو الحمر كما يسميهم في كتابه، وكان الافتراض الواقعي السائد يشير إلى انه "إذا كنت مؤجرا فانك تصوت للحزب الأول وإذا كنت مستأجرا فانك تصوت لصالح الثاني" كان هذا في عشرينيات القرن المنصرم.
ودلالته بكل بساطة أن حزب الاشتراكيين المسيحيين هو حزب أصحاب الأملاك والارستقراطية النمساوية، فيما كان حزب الاشتراكيين الديمقراطيين هو حزب الفقراء الذين يستأجرون البيوت لكي يواصلوا فيها حياتهم البائسة. هذا مقياس جيد وحيوي لتوجهات الرأي العام استنادا إلى مصالح الجمهور نفسه، وهو مؤشر في الوقت نفسه على وفاء الحزبين لجمهورهما، الأول يدافع بوضوح عن الأثرياء والثاني عن المعدمين. بإمكاننا أن نسأل في تجربتنا السياسية الجديدة: من هو حزب المستأجرين أو كتلتهم أو ائتلافهم أو قائمتهم عندنا؟في الغالب الأعم أننا سنرى في أحزاب البرلمان، وهذا تشخيص مهم، كوكبة لامعة من أحزاب المؤجرين أصحاب الأملاك والفلل والعقارات الكومسبولوتية العابرة للحدود الوطنية، وهي أحزاب مصرّة على أن تبقى أحزابا مؤجرة في السلطة ولكن بأصوات الجمهور المستأجر ! وهذه مفارقة عجيبة في التجربة السياسية وفي وعي الجمهور. فمثل هذه الحقيقة تقول دون نازع أن الجمهور لم يذهب إلى صناديق الاقتراع بسبب مصالحه اليومية الاقتصادية، التي يشكو منها اليوم ويحتج، لقد ذهب جمهورنا إلى جادة أخرى هي جادة الاحتماءات الطائفية والتخندقات القومية والاثنية، وبالتالي فان نظرية المؤجر والمستأجر لو كانت مثلا سيدة الساحة في الانتخابات الماضية، لكانت دون شكك مؤامرة امبريالية عالمية وربما صهيونية لإسقاط أحزاب المؤجرين!في ظل أوضاعنا الحالية والخطابات السياسية المشوهة والمشبعة بالهويات الثانوية من الصعوبة الحصول على جمهور بمستوى وعي نظرية "أحزاب المؤجرين والمستأجرين" لان حيتان البرلمان لن تسمح أبدا بظهور أحزاب او حزب واحد للمستأجرين، وربما سيتخلى جمهور المستأجرين في لحظة حاسمة عن بؤسه ليصوت لأحزاب المؤجرين من القطط السمان الجديدة في عراق ما بعد التغيير بالضد تماما من مصالحه واحتياجاته اليومية.وهنا لا نتجنى على احد، فمعظم أعضاء البرلمان ليس فيهم مستأجر واحد بعد دورتين سمينتين من الانتخابات، بل إن معظمهم، رجالا ونساءً، أصبح من المؤجرين بل والمضاربين بتجارة العقارات في الداخل والخارج، وهناك أحاديث ووثائق تتحدث عن إقطاعيات وعن فلل في دول الجوار، ولكي نكون منصفين فان القائمة لا تشمل البرلمانيين فقط، فهناك الوزراء والوكلاء ووكلاء الوكلاء.. الخ من القائمة وذيولها! ودليلنا هو حجم الفساد وفلكية الأرقام الضائعة والمنهوبة من المال العام وحجم التغطيات السياسية لكل هذا النهب المنظم لأموال الناس وحقوقهم.إن رحلة البحث عن أحزاب للمستأجرين شاقة وعسيرة وسط استحكامات أحزاب المؤجرين وما علينا إلا انتظار معجزة بأي شكل كان لكي نجد حزبا للمستأجرين أولا وجمهورا يصوت له ثانيا!
كتابة على الحيطان :البحث عن حزب للمستأجرين!
نشر في: 9 أكتوبر, 2011: 10:10 م