عباس الغالبي لعل من بديهيات اقتصاد السوق أن تكون هناك ريادة واضحة للقطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية كافة، وان تنصرف الحكومة للإشراف العام والدعم اللوجستي المطلوب في الضرورات القصوى، إلا أن ما يجري في العراق خلاف الأعراف والتقاليد الاقتصادية، ففي الوقت الذي يشهد الاقتصاد الوطني تحولاً من الاقتصاد المركزي الى السوق، ما زال يقبع القطاع الخاص في صومعته من دون جدوى، ومازال غير فاعل لأسباب بعضها تتعلق به نفسه، والغالب الاشمل تتعلق بالحكومة وإجراءاتها وبرنامجها الاقتصادي.
وحيث أن الحكومة لا تمتلك رؤية اقتصادية من شأنها أن تجعل الاقتصاد الوطني في مساره الصحيح، فمازال البرنامج الاقتصادي غير واضح المعالم وليس هناك إستراتيجية محددة، فالذي يجري يتأرجح بين الموازنات الاستثمارية ومحاولات ولوج قضية الدفع بالآجل والخطة التنموية الخمسية، والمحاولات الفردية الارتجالية التي لا تجدي نفعاً أبداً ولم تكن بمستوى الحاجة الفعلية. ومن هنا فأن القطاع الخاص يكاد يكون مغيباً على الرغم من الادعاءات والتصريحات وإقرار الجميع حكومة أو برلمان أو نخب اقتصادية أو جهات استشارية حكومية بضرورة تفعيل القطاع الخاص وتمكينه من لعب دور محوري في العملية الاقتصادية وجعله يمتلك زمام المبادرة، إلا أن ذلك لا يخرج كونه مجرد تصريحات لم تأخذ مداها الحقيقي في التنفيذ، وبالمقابل فأن القطاع الخاص هو الآخر يعاني من اختلال في البيئة التشريعية والقانونية وهجرة غير مسبوقة لرؤوس الاموال وتوجس عالي المستوى من قبل رجال الأعمال الموجودين في الداخل وانصراف الحكومة الى القطاع الخاص الخارج في تنفيذ المشاريع الاستثمارية، الأمر الذي يكشف عن أزمة ثقة بإمكانات القطاع الخاص المحلي وشركاته العاملة في العراق. وإذا ماعرجنا على قضية الارادة الوطنية في تنفيذ المشاريع الاستثمارية، فأننا نلاحظ جليّاً انعدام وتلاشي الارادة وعدم الثقة بالنفس مايجعل المشاريع الاستثمارية في القطاعات كافة مثار الاستثمار الخارجي، حيث يعد هذا الامر من الاسباب الحقيقية وراء انحسار دور القطاع الخاص المحلي. ولكن السؤال الذي يبقى مثار اهتمام المراقبين والمتابعين لحركية الاقتصاد العراقي، من ينعش القطاع الخاص المحلي ومن يجعل هذا القطاع في مرتبة الريادة الحقيقية، سعياً لخلق ديناميكية فاعلة في الاقتصاد العراقي، حيث مضت سبعة أعوام ونيف على التنظيرات والتصريحات والوعود الحكومية، والقطاع الخاص مازال يترنح بين المركزية المقيتة والتطلع لفضاءات السوق الحرة، في وقت مازال القرار السياسي أيضاً يلقي بظلاله على القرار الاقتصادي، ما يجعل القطاع الخاص ضمن هذه البوتقة غير المؤثرة في المشهد الاقتصادي، ولكن ما يدمي القلوب هو أن الإمكانات التي يمتلكها القطاع الخاص العراقي لا يمتلكها أي قطاع آخر، ولم تنعكس ايجابياً على حركة الاستثمار والعمل والتجارة في البلد، فمن ينعش القطاع الخاص؟.
اقتصاديات: من يُنعش القطاع الخاص؟
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 10 أكتوبر, 2011: 06:50 م