نواصل في هذا العمود إعادة نشر بعض ما كتبه الراحل (شمران الياسري- أبو كاطع) في عموده الشهير (بصراحة ابوكاطع) قبل أكثـر من ثلاثة عقود، لنُريح الناس، وليستذكروا سخريته ممن كانوا مسؤولين عن خلق المعاناة لهم. بــذرة الخيـر
لم أره منذ سنوات، لا اقول نسيته، مع ان ذاكرتي تبدو مثل بيت طوردت فيه (حية) خطرة، قبل ثلاثة ايام تسلمت رسالته، اسمح لنفسي بنشر الجزء الختامي منها:(.. توهمت ان بيني وبين الموت ساعات.. وقد تقرأ النعي في حقل الاجتماعيات، اعلم انك تحزن، ولكنني اخشى ان تطرح هذا السؤال، ترى هل بقي على العهد، حتى ساعة مماته؟ أتراه نادما على ما صرف من ايام الشباب متنقلا بين سجون العراق ومعتقلاته؟ جلدتني هذه التساؤلات، الموهومة، بغصن رمان رطب. فوجدتني اكتب اليك وصية الاموات، واقرر لا تذهبن بك الظنون.. انتم في قلبي حتى آخر لحظة من عمري.. ) صديقي لم يمت -اتمنى له عمرا مديدا مثمرا-. ويتعين عليّ الآن جوابه. يا صديق الصبا والشباب، بذرة الخير لن تموت، هذه قناعتي. اولست ابن فلاح، يا صديقي؟ انسيت سنبلة القمح، التي اخطأها منجل الحاصد. او انزلقت من حضن (المحّضنة)؟تنتشر القطعان بعد الحصاد في الحقل، وتظل تدوس السنبلة شهورا باظلافها.. وتتراءى الارض مصلوبة تحت وهج الشمس.. ويشتد ريح السموم وتعصف رياح الخماسين.. تقتلع قشرة من وجه الارض. وذات يوم - وقد طاب الجو- تجود السماء بمزن، فترتفع حبوب السنبلة -اياها- رأسا شامخا.. ثم تستوي زرعا -هو ذاك الذي ندعوه (چاث)- ويتكرر الحصاد وتسقط سنبلة، وقد تعاني من قسوة الطبيعة اضعافا.. ثم ترفع رأسها من جديد، حالما تلامسها قطرة ماء. ويتكرر النمو، وفي هذه المره ندعوه: (چاث الچاث). في قريتي يتحرّج الفلاحون من حصاد العام الثالث (چاث الچاث) انطلاقا من فكرة يمكنك اجمالها بالقول الاتي: (حصدت الچاث الاول، لان فيه بقية من جهدك، اما جاث الجاث فليس لك فيه جهد.. ومن باب اولى ان ليس لك حق حصاده.. انها مسألة اجتهاد، وهي استطرادية يمكن اغفالها. اعود ثانية اذكرك ببذرة خير اخرى، لن تموت وهي تعاني اضعاف ما تعانيه بذرة القمح، اعني الچمه (هل اكلت الچمه) طعاما لذيذا؟أرأيت كيف ينبعث من تحت رمال وتراب الصحراء، حالما تبرق السماء وترعد؟
على هامش الصراحة: كل خميس: إستذكاراً لصراحة (ابو كاطع)
نشر في: 26 أكتوبر, 2011: 06:00 م