يعبر العراقيون عن فرحتهم بانسحاب آخر الجنود الأميركيين، إلا أنهم يشككون في قدرة السياسيين على تجاوز انقساماتهم ويدعونهم إلى تبنّي عقلية تليق بتحدي إعادة بناء وطن تلوح أمامه تحديات جمة.وفي مخبز قديم يقع عند طرف ساحة في الكرادة وسط بغداد،
يأخذ صفاء ذو الـ 26 عاما نفسا عميقا قبل أن ينهض عن ارض يفترشها الطحين ليقول "الأميركيون اسقطوا صدام حسين لكنهم أعادوا عقارب حياتنا إلى الوراء".ويضيف حسب وكالة فرانس بريس "نؤمن بان الوضع سيكون أفضل من السابق فقط إذا عمل السياسيون على محاربة الفساد وتوجهوا نحو الإصلاح". وغادر آخر الجنود الأميركيين العراق صباح أمس الأحد وعبروا الحدود العراقية الكويتية بعد نحو ثماني سنوات وتسعة أشهر من عبور الحدود ذاتها في الاتجاه المعاكس في بداية "عملية تحرير العراق" التي سرعان ما تحولت إلى صراع دامٍ طويل. وتقول ربة المنزل أم محمد إن العراقيين "يشعرون بالفرح اليوم وبأنهم قادرون على حماية وطنهم وحدهم من دون مساعدة الغرباء". وتتابع فيما تستبدل الابتسامة على وجهها بنظرة غضب "لن نسامح الأميركيين أبداً على ما تسببوا به لهذه البلد من إرهاب وقتل وتدمير". ويسدل الانسحاب الأميركي الذي اكتمل من دون أي ردة فعل عراقية رسمية أو تعليق من قبل التيارات المناهضة للولايات المتحدة وعلى رأسها تيار الزعيم مقتدى الصدر، الستار على قصة دامية بدأت باقتناع إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بان إسقاطها نظام صدام حسين سيجعلها تفوز تلقائيا بقلوب وعقول العراقيين. واتخذت القصة منحى مختلفا بعدما عبدت القوات الأميركية الطريق امام تمرد مسلح اثر حل الجيش خصوصا. وتسبب هذا الأمر بمقتل 125 ألف مدني عراقي على الأقل، وآلاف الجنود وعناصر الشرطة العراقيين، ونشوب حرب طائفية دامية بين السنة والشيعة بين عامي 2006 و2007، إضافة إلى مقتل 4474 جنديا أميركيا. وقال محمد عبد الأمير العاطل عن العمل والأب لخمسة أطفال والمتحدر من منطقة الأعظمية "تحررنا اليوم من الاحتلال واستعدنا السيادة الكاملة. نشعر بأننا ننتمي إلى هذا الوطن من جديد". ورأى انه "علينا أن نتعاون وان ننهض بالبلد عمرانا واقتصادا وتطورا اجتماعيا لا أن نتشاحن حيث نرى أن بعض السياسيين بدأوا يضعون العصي في الدواليب". وتترك القوات الأميركية العراق بعد ساعات من انزلاق البلاد نحو أزمة سياسية مستجدة تمثلت في تعليق قائمة "العراقية" التي يقودها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي مشاركتها في جلسات البرلمان اعتراضا على "التهميش". ويقول الموظف الحكومي عبد الحسين حوش المقيم في مدينة الصدر "انه يوم تاريخي لكن ما يحزننا إن هذه المناسبة جاءت في وقت انسحبت القائمة العراقية من العملية السياسية".ويوضح متحدثا "انه أمر لم يكن من المفترض أن يجري بالتزامن مع خروج المحتل". بدوره اعتبر علي محسن الذي يعمل مقاولا وهو أب لسبعة أولاد أن "هذا اليوم يشكل دعوة لأن يبدأ السياسيون مرحلة جديدة وان يعملوا بعقلية جديدة لاستغلال الاستقلال الحقيقي أفضل استغلال". وأعرب عن اعتقاده بان المرحلة المقبلة "ستكون ايجابية لان العراقيين متكاتفون وموحدون"، والى جانب الأزمة السياسية المستجدة، يواجه العراق تحدي التعامل مع المناطق المتنازع عليها، وعلى رأسها كركوك، ويرى مراقبون أن المدينة الغنية بالنفط التي تضم أطياف المجتمع العراقي كافة، ستكون بمثابة الاختبار الأكبر والاهم للعراق في فترة ما بعد انسحاب القوات الأميركية. ويقول أستاذ التاريخ الجامعي في كركوك عصام صلاح الدين البياتي "هذا عيد وطني". ويعتبر أن يوم الانسحاب الأميركي يمثل "رسالة لكل السياسيين بان عليهم أن يتوحدوا ويعملوا من اجل العراق بعيدا عن التقسيم". وقال رودي صليوة المسيحي الذي يملك محلا لبيع المواد الغذائية في كركوك إن "هذا اليوم سيدق ناقوس الخطر (...) لا نريد بقاء الأميركيين ولكن أوضاع العراق والمنطقة قد تنفجر في أي يوم". وشدد على أن "الأوضاع الأمنية غير مستقرة والسياسية كذلك، ودور الأمم المتحدة ضعيف والخطر قادم بدءا من اليوم". وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما، أكد نهاية الأسبوع الماضي، أن مستقبل العراق سيكون في يد شعبه والحرب الأميركية فيه ستنتهي، مشيرا إلى أن حرب العراق تمثل نجاحا باهرا تطلب تسع سنوات، لافتا في الوقت نفسه إلى "العمل الشاق والتضحيات" التي رأى أنها كانت ضرورية لتحقيق النجاح.وقال أوباما خلال استقباله جنود الفرقة الثانية والثمانين في الجيش الأميركي العائدين من العراق، وأسرهم في قاعدة فورت براغ بولاية كارولاينا الشمالية، إن "كل ما قام به الجنود الأميركيون في العراق من القتال والموت والنزيف والبناء والتدريب وإبرام الشراكات قادنا إلى لحظة النجاح هذه"، مؤكدا أن "العراق اليوم أصبح من مسؤولية العراقيين حكومة وشعباً". وأضاف أوباما على وقع هتافات الترحيب بقبعات الجنود الح
المواطنـون يـأملـون بعقلية سياسية تليق بفرحة الانسحاب الأميركي

نشر في: 18 ديسمبر, 2011: 10:11 م









