TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > عتمة السياسة وفضاءات الثقافة

عتمة السياسة وفضاءات الثقافة

نشر في: 25 أكتوبر, 2011: 06:05 م

حسين علي الحمدانيإذا فشلت السياسة في صنع شيء من الإبداع في العراق منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا ، فإن الثقافة العراقية تمكنت من أن تصنع حراكاً  كبيراً في المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة، وأبرزت ما تمكنت من أن تصنعه بأن تجعل المثقف العراقي نقيضاً للسياسي في كل شيء، وهذا إن دل على شيء فإنما يدلل على إن هنالك جيلاً من المثقفين العراقيين استطاع أن يشكل مشهداً ثقافياً بعيداً جداً عن التبعية للمشهد السياسي أو مكملاً له كما اعتدناه في السنوات والعقود الماضية سواء في العراق أو غيره من البلدان العربية .
مشهدان في العراق يمكن لأي متابع دقيق أن يكتشفهما،الأول المشهد: السياسي الغارق في العتمة والباحث دائماً عن أزمات وتوافقات وتسقيط وتسقيط مضاد، حتى باتت ثنائية الأزمة والتوافق السكة التي تسير عليها السياسة في العراق والتي عادة ما تقود للتخندق الضيق جداً والذي لا ينتج سوى مزيد من التراجع في كل شيء .المشهد الثاني: هو المشهد الثقافي الذي يختلف تماماً عن السياسي،ففي المشهد الثقافي تجد الحراك مستمراً ويتنقل بين المدن العراقية، ما بين واسط ومهرجانها الشعري والبصرة وملتقى الرواية التأسيسي،ثم مهرجان بغداد السينمائي، واستعدادات النجف لأن تكون عاصمة الثقافة مطلع العام المقبل، وصولا لشمال الوطن والعروض المسرحية والسينمائية، واصبوحات الجمعة ، وأمسيات الأربعاء المنتشرة في أغلب مدن العراق ، ومعارض الكتاب التي تنظم في شمال الوطن وجنوبه، بل يتعدى هذا الحراك حدود الوطن لنجد أمسيات ثقافية عراقية في أوربا تشكل بمجملها الحالة الصحية والصحيحة التي وصل إليها المثقف العراقي في الوقت الحاضر، وبالتالي نجد غياب التخندقات الضيقة .هذا يجعلنا نقول بأن الثقافة في العراق لم تعد في بيت طاعة السياسي، فالمثقف العراقي الآن لا يمثل إلا انتماءه الثقافي وهويته الثقافية ولا يمكن أن يكون جزءاً من أزمة وجزءاً من توافق.المشهدان،السياسي والثقافي لهما أسبابهما،فالأول تقوده نخب سياسية تسعى دائما لتسقيط الطرف الآخر بأي شكل من الأشكال بموجب مقتضيات اللعبة السياسية ذاتها ، بينما في المشهد الثقافي تكون الصورة مغايرة تماماً، فالقاص والروائي لا يكتمل حضوره إلا بمشاركة الموسيقي والرسام والشاعر والناقد والقارئ الجيد الذي مثل البارومتر الذي يؤكد النجاح .في المشهد السياسي دائماً هنالك ثمة أزمة ربما تفرضها مسارات السياسة نفسها، وفي المشهد الثقافي هنالك دائماً إبداع هو محصلة جهود طويلة . في المشهد السياسي تتكدس الكاميرات باحثة عن وجه خال من تقاسيم الفرح وتنتظر منه أن يعلن ما يجعل الفضائيات تستعجل كلمة (عاجل) لكي ترتزق من السياسي، بينما نجد في المشهد الثقافي كاميرة واحدة قد تكون كاميرة المثقف نفسه جلبها معه ليوثق لحظة تناست فيها الفضائيات هذا الحدث رغم توجيه أكثر من دعوة لها .ومع هذا فإن هذا هو الصحيح، فالمثقف العراقي الآن ليس ابناً باراً للسياسي ولا سيفاً  مشرعاً بيده كما كانوا يقولون في العهد المباد ،بل أحيان كثيرة يكون المثقف العراقي في خندق بعيد جداً عن خنادق السياسي المتعددة ، لأن المثقف أصلاً حين يتخندق لا يكون مثقفاً بل بوق للسياسي أو تابع له.نحن الآن نصنع الثقافة بأنفسنا ونمنحها عناويننا نحن بعد أن ظلت عقوداً طويلة تُصنع لنا وتعلب في أوامر وتوجيهات وقوالب أحياناً كثيرة تكون أمام أصغر من مقاسات إبداعنا أو متناقضة معها ولا تخدم سوى السياسي نفسه الذي ظل ينظر للثقافة على إنها مؤسسة من مؤسساته الحزبية أو ممتلكاته الخاصة .ثقافتنا بخير لأنها تحررت بشكل كبير جداً من المشهد السياسي، وجود مشهد ثقافي غير متأثر بالمشهد السياسي يعني في ما يعنيه بأننا نضع الخطوة الصحيحة بالاتجاه الصحيح، ونمنح الثقافة العراقية ألقها الذي كاد البعض أن يجعلها تفتقده في مرحلة من المراحل .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram